- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل حاول حميد عبد الله تزييف تاريخ "تلك الأيام"، ام إنّ هناك هدف آخر؟!
بقلم: عادل الموسوي
وضع القواعد لبرامجه، واحكم الذرائع لما يقدمه، وزعم ان ما ينقله هي وثائق وشهادات للتاريخ من شهود عيان، وكفل حق الرد والتعليق للمخالفين والمعترضين، واقتصر في عرض المعلومات على احد طرفي النفي والاثبات، الا في بعض الموارد التي تحتاج الى الترديد بحسب ما تقتضيه الحبكة.
قد نظن ان "حميد" ينحاز الى ما يريد اثباته، الا اني اعتقد ان الامر يتجاوز ذلك بكثير، واعتقد ان جملة من برامجه لم تكن للتاريخ، بل كانت موجهة لتغيير بعض التوجهات والسلوكيات.
حميد عبد الله بارع جدا وحاذق في التمهيد لأهداف برامجه في اعداد المُشاهد لاستقبال كم من المعلومات الشائقة، فقصص التاريخ والمعلومات الجديدة والغريبة عوامل مهمة في استقطاب المشاهدين، مع فترة عمل دعائية جيدة في القنوات الفضائية و"اليوتيوبية"، فكانت المحصلة جيدة ومنها "تلك الايام" الذي يحظى بعدد معتبر جدا من المتابعين، وبرامج اخرى شعارها العام انها للتاريخ.
قد لا ترضي برامج حميد كثيرا من المتابعين، مثل: البعثيين والمنتسبين لاجهزة الامن في النظام السابق، وكذلك الكثير من ذوي التوجهات الدينية الذين لا يقف عبد الحميد عند الخطوط الحمراء لرموزهم ومقدسيهم، وكذلك الكورد الذين لا يتوقف عن الانحياز الى نزعته القومية ضدهم، وقد تكمن براعته في استخدام الجميع كاوتار حساسة يحرك بها مشاعر المستهدفين لتحقيق اهداف مهمة معينة، وليرضى من رضي وليضرب الاخرون رؤسهم عرض الجدار.
محور الحديث هنا هو حلقة من برنامج "شهادات خاصة"، التي تم عرضها مؤخراً، وهي حوار مع احد ضباط امن النظام السابق، عنوانها: "رسالة غضب من الخوئي الى صدام حسين.. لماذا؟".
بعد ملاحظة عملية الجذب والسرد المشوق للقصة، وكسر الحاجز النفسي مع رجال الامن، وتحبيب شخصية المحاور الى بعض المشاهدين، باظهار تعاونه مع بيت السيد الخوئي، وما اظهره من براءة ولياقة واحترام لذلك البيت، وما تربطه بهم من علاقة وطيدة وثقة متبادلة وزيارات عائلية، وما دل عليه مظهره من لحيته البيضاء، بالاضافة الى اشباع جانب التصديق بالرواية بذكر جانب كبير من الحقائق عن جرائم النظام السابق بحق الابرياء، وهذا ما يعزز بعض جوانب الاطمئنان لدى المشاهد، صار المشاهد -المستهدف- مهيئا للاستسلام لكل ما يتلقاه من معلومة في هذه الحلقة، مضافا الى قابلية التصديق من مشاهدين هم بالواقع مهيئين لتصديق كل ما يخالف الخط العام للمرجعية الدينية في النجف الاشرف.
لاحظت ان الحلقة ركزت على محاور منها:
- ان علاقة بيت السيد الخوئي برجال الامن كانت جيدة والثقة بينهم متبادلة، ولم يكن لهم اي ضميمة ضد الدولة.
- ان المضايقات على بيت السيد كانت من اوقاف النجف والمحافظة وجهات اخرى، ولم تكن بتوجيه من القيادات العليا، وربما كانت شخصية، ولم يكن الرئيس راضيا عنها بعد معرفته بها.
- ان ٩٠ % من رجال الدين والوكلاء كانوا يتقاضون رواتب من مديريات الامن.
- ان الاموال التي كانت بحوزة السيد الخوئي ووكلاءه كانت طائلة جدا، وعمم ذلك ايضا بقصة خيالية عن اكتشاف رجال الامن لخزانة اموال (قاصة) كبيرة في منزل السيد محمد باقر الصدر بعد اعدامه بفترة، تحتوي على اموال طائلة جدا من مختلف العملات العراقية والاجنبية مع صفائح معدنية مملوءة بالمخشلات الذهبية.
واعتقد ان الهدف من اثارة هذه المحاور هو:
- تسقيط رمزية السيد الخوئي والسيد محمد باقر الصدر في النفوس وهي غاية لهدف اخر هو تسقيط شخصية المرجع الديني في ذهنية الشخصية الشيعية.
- تسقيط رجال الدين الشيعة من وكلاء ومعتمدين وممثلين للمرجعية بادعاء ان ٩٠ % منهم منافقون يبحثون عن المال، والهدف الرئيس هو التعميم على ممثلي المرجعية الدينية ووكلائها الحاليين.
- التركيز على ان الاموال كانت طائلة وانها حقوق شرعية تجبى من كل انحاء العالم، وهي دعوة ايحائية بعدم جدوى اخراج الحقوق الشرعية لان مصيرها الى مثل هؤلاء.
واستطيع القول ان هذا هو المحور الاساس الذي حاول البرنامج التركيز عليه بغض النظر عن صدق او كذب المعلومات الاخرى، لان ما طرح من مجمل المعلومات هي عوامل مساعدة للحمل على التصديق برواية الاموال، مضافا الى العوامل المساعدة الاخرى الكثيرة العالقة في الاذهان حول هذا الموضوع، والتي تم العمل على ترسيخها بالاشاعة الكاذبة او الممارسات الخاطئة التي ينتهجها المحسوبون على المؤسسة الدينية.
واعتقد ان التركيز على هذا الجانب مهم جدا لدى كثير من الجهات المخالفة او المعادية للمرجعية الدينية ومدرستها الدينية ونشاطاتها المختلفة لخدمة الدين والمجتمع، لان اموال الحقوق الشرعية هي الاساس في استقلالية هذه المؤسسة واستقلال منهجها عن الحكومات والسياسات المختلفة، لذلك فالحملة مستمرة وتتخذ اوجها مختلفة، كانكار وجوب الخمس والتهمة بالتصرف في الحقوق الشرعية، والتهريج بافتتاح المشاريع في خارج العراق.
ان الجهات والمؤسسات المنافسة تنظر بذهول الى ما يجبى الى النجف من حقوق شرعية قل او كثر، فهي لا ترضى ان تستقل النجف ولو بدرهم واحد.
ان تلك الجهات تستغل جانب التهويل والتضخيم في استلام النجف للحقوق الشرعية، وتعمل على تجاهل النشاطات والانجازات التي تصرف فيها تلك الاموال، وتقتصر في التركيز على افتتاح مستشفى هنا ومشروع هناك في احدى المدن الايرانية، بزعم انها من اموال عراقية! كما تستغل ايضا ضعف الدعاية للمنجز من النشاطات في صرف تلك الاموال، ومنها دعم المعركة ضد الارهاب ورعاية شؤون المجاهدين والشهداء وعوائلهم، وتتجاهل ايضا ان السيد السيستاني مثلا اجاز للمكلفين صرف حقوقهم الشرعية للمستحقين بما يرونه مناسبا ومبرئا للذمة، وآخرها الاجازة بصرف الحق الشرعي لدعم العوائل المتضررة من الوباء.
ان تاثير مثل هذه الحملات واستمرارها لا يمكن انكاره، فبالاضافة الى عزوف البعض من ضعفاء الايمان عن اداء الواجب الشرعي بسبب حب المال وشح الانفس، كان ذلك ذريعة عند البعض للعزوف عن التقليد او عدم الالتزام بالاحكام الشرعية وتوجيهات المرجعية الدينية، كما ان تلك الحملات فتحت افاقا سهلة وهيّأت للتهريج والتشنيع على التشيع والمرجعية الدينية، كما هيّأت نفسيا - ضعفاء الايمان- الى عدم الثقة بجملة مما يصدر من المرجعية، وهو هدف جدير بأن تهتم به دوائر كثيرة مناوئة.
أقرأ ايضاً
- المجتهدون والعوام
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء