- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أيهما أدعى... سعادة الهدى أم سعادة الهوى؟!
حسن الهاشمي
ريثما نصل إلى أمة محصنة من تداعيات الجانب السلبي في الحضارة الغربية، والتي تبث عبر الأثير وهي متاحة للتداول والتناقل في الكثير من التقنيات التي غزتنا في عقر دارنا، نحن بحاجة إلى وقفة مسؤولة تحصن المتلقي وتوصله إلى سبل النجاة، وكما هو معلوم إن عملية الهدم أسهل مؤونة من عملية البناء، ويكفي لفيلم أو مسلسل درامي منحرف أن يقضي على أخلاقيات أسرة بأكملها ويجعلها قاعا صفصفا، لاسيما إذا ما خلت من أمصال المناعة السلوكية الهادفة.
ناهيك عما يبث عبر الفضائيات من أفلام مبتذلة وحفلات ماجنة وحوارات منحرفة، الهدف كل الهدف منها سلب العفة والكرامة والإنسانية من بني البشر، وبالتالي تسييره وفق المناهج المادية المقيتة البعيدة كل البعد عن المناهج الأخلاقية التي تقوّم السلوك وتبذر في الإنسان بذور المحبة والإيثار والكرامة التي بها يحيى وبدونها تضحى حياته كئيبة رتيبة لا هدفية من مراميها ولا ثمرة من عطاءاتها وتكون عادة مبتورة بطوارق الزمان وحوادث الأيام.
وما دام الموت يتربص بنا وهو ينقضّ علينا ولو كنا في بروج مشيدة، وما دام مصير الإنسان مهما بلغ من القوة والثروة والسطوة هو الموت والفناء، فإن السعادة تكمن في الأخلاق وتهذيب الروح والنفس وليس الانحراف عن جادة الصواب، وعليه إن السعادة الحقيقية في ترجيح جانب التقوى على جانب الهوى؛ لان الفلاح والسعادة تكمن في تزكية النفس وترويضها على مكارم الاخلاق، والخيبة والشقاوة تكمن في انغماس النفس في الملذات الفانية، نحن نرى ان عفة المرأة والحفاظ على شرفها وكرامتها لتكوين أسرة متماسكة تتواصى بالخير والصلاح تمهيدا لبناء مجتمع متكامل يقوم على أساس العدالة والمساواة ـ أدعى من ارتكاس المرأة في مهاوي الفساد والرذيلة وما يتسببه من تداعيات كارثية على الفرد والمجتمع على حد سواء، قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) ﴿الشمس: 7ـ9﴾.
أما السعادة التي يعولون عليها أهل الهوى، فإنها سعادة مؤقتة يشوبها القلق النفسي والانهيار العصبي ومآلها إلى اليأس والقنوط ولو بعد حين، ولاسيما إذا ابتلي الجسد وترهلت الأعضاء وخارت القوى، فإن سعادة الهوى تتهاوى حينئذ، ولكن سعادة التقوى تتسامى وتتكامل وتتألق كلما تقادم الزمان عليها، ناهيك عما يشوبها من راحة البال واطمئنان النفس، حيث أنها تستمد قوتها من قوة غير متناهية، وهي بعيدة عن مكونات المادة الفانية التي عندما تفنى فإنها تفني معها أحلام السعادة الدنيوية، ولا يبقى في الوجود وقتئذ إلا السعادة الحقيقية المبنية على الروح والأخلاق والفضائل، جاء في موعظة رسول الله صلى الله عليه وآله لابن مسعود: (ما عندكم ينفذ وما عند الله باق) مكارم الاخلاق للشيخ الطبرسي ص446 والعاقل لا يؤثر الفاني على الباقي.
المدافعة الإنسانية حيال ما يواجهه من إغراءات غريزية حيوانية وما تدفعه إلى ترع الفجور حيث الجرائم والموبقات والآثام، وإفرازات عقلائية تكاملية وما تضمه من اطلالات على واحة التقوى حيث صيانة النفس من كل ما من شأنه الخدش بالحياء والفضيلة، هي التي تحدد مصير الإنسان في أن يكون صبيانيا في تصرفاته أو عقلائيا في الاستفادة المثلى من مباهج الدنيا دونما إفراط أو تفريط، مع ملاحظة الجانب الإنساني لتكريس الألفة وتثبيت حالة التكافل والتواصل بين أبناء المجتمع الواحد. قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 40).
يقال: إن الله تعالى أخبر أنه لولا دفاعه الناس بعضهم ببعض, لهُدمت أماكن العبادة وهي صوامع الرهبان وبيَع النصارى وغيرها من المقومات المادية والروحية التي بها يحيى الناس ومن دونها خرط للقتاد، وللحؤول دون هدمها فان القدرة الالهية تجلت في هذا التدافع لتعبيد الطريق سالكا في تحقيق مبدأ الاطعام من الجوع والأمن من الخوف تمهيدا لتحقيق العبادة وهي من أسمى الآيات في التكامل الانساني, ويتمخض تدافع بعض الناس ببعض, في كفِّ الله تعالى المشركين بجهاد المسلمين تارة; وكفه ببعضهم التظالم, كالسلطان العادل الذي كفّ به رعيته عن التظالم بينهم; ومنه كفُّه لمن أجاز شهادته بينهم ببعضهم عن الذهاب بحق من له قبله حق تارة أخرى, ونحو ذلك.
وكلّ ذلك دفع منه الناس بعضهم عن بعض لإحقاق الحقوق ودفع الضرر عنهم وهو من اهم الاسباب تمهيدا لجلب السعادة وابعاد الشقاوة عنهم, ولولا ذلك لتظالموا, فيقدم القاهرون والظالمون الى هدم صوامع ودور عبادة المقهورين وبيَعهم وما يمت بصلة في كل شؤون حياتهم المعنوية خاصة، وهكذا فان الله تعالى وجنوده يدافعون عن موجبات السعادة، والشيطان وهوى النفس وجنودهما يدافعون عن مبررات الشقاوة، والنصرة دائما وابدا تكون من نصيب أهل الحق والفرقان، والخذلان والارتكاس تكون من نصيب أهل الباطل والعدوان.
وفي قراءة مقارنة للنظام الأخلاقي الإسلامي والنظم الغربية الوضعية التي أوجدت حالة الانقلاب على الصعيد الأخلاقي خاصة، إن الغرب بالرغم من التقدم التكنلوجي فانه اليوم يجر الويلات من حالة الانفلات الجنسي والتباعد الاجتماعي، في حين يمثل ميزان الصلاح والتنمية للنظام الاجتماعي الاسلامي أوجه اذا ما احسن التصرف به، لاسيما ان بعثة خاتم الأنبياء انحصرت بالأخلاق حينما قال الرسول الخاتم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج16 ص210.
ولا غرو عندما نشاهد بعض الحضارات وهي متقدمة ماديا وتكنلوجيا وصناعيا، بيد إن ما يفتك بها هو التردي الأخلاقي والانهيار النفسي، وإذا ما أجرينا استطلاعا يغور في أوساط الموجة المادية، فإنها وبقرارة أنفسها تذعن بانها تميل حيال مقومات الأخلاق والفضائل لاسيما بعد اصطدامها بصخرة الواقع المرير من جرائم وانتحار وتشرذم، وهي نتيجة طبيعية من التحلل الخلقي والعقائدي لدى المجتمعات المادية.
وعندما يقف المرء على أطلال الانهيار الخلقي يرجع إلى الفطرة الإلهية السليمة التي هي الملجأ والمأوى والمآل لكل من قرر الحياة، وهو شاهد على ما آل إليه الانهيار الخلقي من مآسي وويلات لا يمكن صدعها إلا من خلال الفطرة التي فطر الناس عليها حيث البراءة والجنوح نحو العطاء المادي والأخلاقي المتعادل والمتكافل والمتكامل، وهي التي تعمل بكفاءة عالية ولا تؤثر فيها مثل تلك الترهات والانحرافات مهما بلغت وتكاثرت، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم: 30).
وللوقوف أمام الهجمة الإباحية الغربية لابد من استنفار القوى الإيمانية في مواجهة قوى الضلال والفساد التي تريد أن تسرق هذا الجيل وتسلب هويته وأصالته، وهنا يتعاظم دور الأسرة ودور الآباء والأمهات في هذا الاستنفار الإيماني والروحي والأخلاقي والثقافي بمساندة واستنارة العلماء والخطباء والمعلمين والمثقفين الملتزمين، وإن غياب هذا التعاون والتنسيق يفقد البرنامج الإيماني قدرته الفاعلة في التأثير والنجاح.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟