بقلم: سلام مكي
في مساحة لا تتجاوز الكيلو متر المربع الواحد، من شارع 60 وسط مدينة الحلة، الشارع الذي يربط مدن الوسط بالجنوب، تم تشييد أغلب الدوائر الحكومية، وأهمها. ففي المساحة الممتدة من بداية المجسر/ الكارثة الذي لا شيء فيه صالح للعمل، تبدأ على جانبه مستشفى الصادق/ التركي، ثم بعدها بأمتار، مستشفى طيبة الأهلي، تجاورها دائرة الكهرباء، ثم بعدها مديرية الخزينة، ثم النفط، ثم الأمن الوطني، ثم الأمن والانضباط ثم الأدلة الجنائية…. والقائمة تطول.
كل تلك الدوائر تتجاور فيما بينها، وكأن بابل لا مساحة خالية فيها سوى تلك الأمتار! أما الشارع فهو محنة المحن، فحين قررت الحكومة المحلية، تعبيده وتوسيعه، لم تقرر متى سينتهي العمل فيه، حتى أن مسؤولا سئل عن موعد الانتهاء منه، أجاب بأن هذا في علم الغيب! لأن الشركة المنفذة تعمل في أماكن أخرى، ولا وقت لدينا للعمل في بابل!
نعود إلى الموضوع الأساس، وهو تكدس عدد كبير من الدوائر في مكان واحد، فنسأل عن الحكمة من هذا الأمر، وهل إن بابل خلت من الأماكن والمواقع حتى يصار الى جعل الدوائر كلها في مكان واحد؟ أين دور التخطيط؟ البلدية؟ ألا يسبب هذا الأمر فوضى مرورية وإدارية؟ في هذه الأيام مثلا، الشارع قيد الصيانة، ولا مكان لسوى سيارتين للمرور، مع ذلك ثمة الكثير من السيارات تقف أمام تلك الدوائر، سواء سيارات المراجعين أو الموظفين، علما لا يوجد أي مرآب في ذلك المكان، مما سبب زحاما خانقا. أما المجسر، فهو كما قلنا يعاني من خلل كبير في التصميم، مما تسبب بمشكلات كثيرة، منذ اليوم الأول لافتتاحه، حيث كان من المفترض أن يساهم بتخفيف الزخم المروري، لكنه تسبب بزيادته.
مثل هذه الفوضى الإدارية والعمرانية، قد لا تجدها إلا في بابل الحضارة والعراقة والتاريخ.
فلو سافرت بضعة كيلو مترات، صوب كربلاء أو الكوفة، ستجد عالما مختلفا تماما، ستجد شوارع واسعة، وأشجارا على جانبي الطريق، ستجد الطريق الرئيسة، مشيدة وفق نظام خاص، وبأساليب متطورة. أما في بابل، فلا تجد سوى الخراب العمراني، والتردي في كل مجالات الحياة..
أما لو قلنا: ما المسبب لكل هذا؟ وهل نال جزاءه بما تسبب من هدر وفساد؟ نقول أن أي مشروع فيه شبهة، يتم التحقيق فيه من قبل النزاهة، وتبقى تلك التحقيقات، داخل الهيأة لحين حسمها وإصدار القرار الذي تراه المحكمة مناسبا أما بإحالة المقصرين الى المحاكم أو غلق القضايا، وهو ما لا يحصل إلا نادرا. فيتم الحكم على الموظف بالحبس أو الغرامة، جزاء لتقصيره. ولكن السؤال هنا: ماذا بعد إدانة الموظف؟ ماذا بعد إيداعه السجن؟ هل تحقق المرجو من العدالة؟ هل الأحكام الكثيرة التي صدرت ضد موظفين حققت الردع والزجر على الباقين؟ هل الحل في سجن الموظفين حتى نصل الى مصاف المحافظات الأخرى؟ ثم هل إن تلك المحافظات لا تعاني من الفساد؟ هل تملك تخصيصات مالية أكثر مما تملكه بابل؟
أسئلة بحاجة الى إجابات مقنعة، لكن المشكلة الكبيرة هنا: من سيجيب عن تلك الأسئلة. أما المشكلة الأكبر: من سيطرحها أصلا؟ هل الشعب البابلي سيطرح تلك الأسئلة يوما؟ هل سيقرر من ذاته التحرك لإعادة الحياة لبابل، بدون ورود الأوامر والتوجيهات من أشخاص؟ هل سنجد حراكا شعبيا مجردا من الولاءات والانتماءات؟