نـــــــــــــزار حيدر
على أَرضِ الواقع، نحنُ الآن نواجهُ مفهوم الآية الكريمة {وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} بأَدقِّ معانيها.
فإِمَّا أَن يكونَ الواحدُ مِنَّا مُصلِحاً أَو أَن يكونَ من الفاسدين، فلا توجدُ منطقةً وُسطى بين الإِصلاح والفساد، كما لا يمكنُ أَن يكونَ نِصفُك الأَوَّل مُصلحاً ونِصفُك الثَّاني فاسداً، أَبداً!.
والفسادُ كالظُّلمِ، فالفاسدُ والمُعينُ عليهِ والسَّاكتُ عنهُ شُركاءَ ثلاثة.
ومنذُ إِنطلاق الإِحتجاجات قبلَ ثلاثة أَشهر إِنقسمَ النَّاسُ إِلى قِسمَين؛
الأَوَّل؛ هو الذي تبنَّى الإِحتجاجات بِلا تردُّد، بالحضور في ساحات التَّظاهر والكلِمة والرَّأي والتَّوجيه والتَّرشيد والدُّعاء وبكُلِّ ما من شأنهِ دعم دَيمومة آليَّات الإِصلاح الحقيقي.
وهؤُلاء هُم أَهلُ البصيرة.
الثَّاني؛ هو الذي يسوق الذَّرائع تِلوَ الذَّرائع لتبريرِ موقفهِ السَّلبي المُتخاذِل من الإِحتجاجات، وهو يعلمُ أَنَّهُ يرتكبُ بمثلِ هذا المَوقف خطأً تاريخيّاً، شرعيّاً ووطنيّاً وأَخلاقيّاً.
وهؤُلاء هُم أَهلُ العمى.
إِنَّ الأَعم الأَغلب من العراقيِّين يرَون أَنَّهُ قد حانَ وقت الإِصلاح الحقيقي والذي رسمَ خارِطةَ طريقهِ بكُلِّ وضوحٍ الخطاب المرجعي الأَخير وبشكلٍ دقيقٍ لا يحتاجُ إِلى تفسيرٍ وتأَويلٍ وشرحٍ وتعليقةٍ!.
باستثناء أَحزاب السُّلطة الفاسِدة والفاشِلة ومَن يدُورُ في فلكِها والمُستفيد منها يرفضُون الإِصلاح ويُعرقلُون كلَّ المُحاولات الرَّامية إِلى ذلك، على الرَّغمِ مِن أَنَّهم يرفعُون شِعار الإِصلاح كلافتةٍ عريضةٍ إِلَّا أَنَّ مُمارساتهُم وسلوكيَّاتهُم تتناقض مع الشِّعار بكلِّ التَّفاصيل.
فهل سيكونُ العام الجديد عامَ الإِصلاح، لنُنهي حُقبةً من الفساد والفشل في إِدارة الدَّولة، كما عبَّر عن ذلكَ خِطاب المرجِع الأَعلى؟!.
إِنَّ الإِصلاح شأنهُ شأن أَيَّ شيءٍ آخر، لهُ شروطٌ وأَدواتٌ وبِدايةٌ.
منها؛
١/ أَنَّ الإِصلاح عمليَّةٌ مُستمرَّةٌ وجُهدٌ مُتواصل لا يقفُ عند حدٍّ، فلازالت الطَّبيعة البشريَّة تميلُ إِلى الفسادِ وعلى أَيِّ مُستوىً كان، لذلكَ فإِنَّ الإِصلاح لا يتوقَّف وهو يسيرُ إِلى جانبِ الفساد بشكلٍ مُستمرٍّ.
الإِصلاحُ بحاجةٍ إِلى خُططٍ قصيرةِ المدى وأُخرى بعيدةِ المدى، وهو يحتاجُ إِلى المُثابرةِ والصَّبرِ والدَّيمومةِ وتحديث الخُطط والآليَّات حسب الحاجة وتطوُّر الواقع.
٢/ والإِصلاحُ بحاجةٍ إِلى التَّضحيةِ، فلا إِصلاحَ مِن دونِ تضحيةٍ، وأَهمَّها وأَخطرها التَّضحية النفسيَّة والمعنويَّة.
٣/ والإِصلاحُ المطلوب على مُستويَين؛
مُستوى الفرد، ومُستوى المُجتمع، والثَّاني لا يتحقَّق إِلَّا بإِنجاز الإِصلاح على مُستوى الفرد، لأَنَّ المُجتمع عبارةً عن أَفرادٍ، فإِذا صلحُوا صلح المُجتمع وإِذا فسدُوا فسدَ المُجتمع، وهذا ثابتٌ واضحٌ لا يحتاجُ إِلى فلسفةٍ، تُشيرُ إِليهِ الآيةِ الكريمةِ {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
٤/ والإِصلاحُ المطلوب في إِتِّجاهَينِ اثنَينِ؛
فتارةً تجتاحُ المُجتمع آفة الفساد، عندها نكونُ بحاجةٍ إِلى إِصلاحهِ من الفساد لتتحقَّق النَّزاهة.
وتارةً تجتاح المُجتمع آفة الفشل والتخلُّف والتأَخُّر، عندها نكونُ بحاجةٍ إِلى إِصلاحهِ من الفشلِ ليتحقَّق النَّجاح.
نحنُ اليَوم في العراق أَصابت الدَّولة آفتان؛ الفساد والفشل، ولذلك فإِنَّ الإِصلاح الحقيقي المطلُوب صعبٌ جدّاً ومُعقَّد ولكنَّهُ ليس مُستحيلاً.
إِنَّ إِنجازهُ بحاجةٍ إِلى أَن تتكاتف كلَّ الجهُود الوطنيَّة لانتشالِ البلاد من خطرِ الفَشل، قبل أَن يقودَ مَن بيدهِ زِمام الأُمور العراق إِلى أَن يكونَ دَولةً فاشِلةً.
ومن مظاهرِ الفسادِ والفشَل؛
*غَياب مبدأ [الرَّجل المُناسب في المكانِ المُناسب].
*غَياب معايير التقييم الحقيقيَّة لبقاءِ أَو رحيلِ المسؤُول عن الموقعِ، ومنها النَّزاهة والكفاءة والخِبرة والشَّجاعة.
*غَيابُ الحسِّ الوطني والوَلاء للوطن واستبداله بالولاءِ للأَجنبي، الإِقليمي والدَّولي.
*الإِستئثار وهدرِ المالِ العام وطرد الإِستثمار وغَياب الرُّؤية الإِقتصاديَّة والماليَّة، وبسببِ ذلكَ تحوَّل العراق إِلى دَولةٍ ريعيَّةٍ مُستهلِكةٍ.
٤/ والإِصلاحُ واجبُ الجميع بِلا استثناء، كلٌّ حسبَ طاقتهِ وموقعهِ في الدَّولة والمُجتمع، فلا مجالَ للتهرُّب من المسؤُوليَّة، ولا معنى للوقُوفِ على التلِّ، لأَنَّ الفساد والفشل آفةٌ تضرُّ كلَّ المُجتمع وكلَّ الدَّولة فهي لا تكتفي بالإِضرارِ بجُزءٍ دون آخر أَو بشريحةٍ دون أُخرى، وإِلى هذا المعنى أَشارت الآية الكريمة {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
ولذلك فإِنَّ على الذين لازالُوا يلزمُون مواقعهُم على التلِّ، يتفرَّجون ويُبرِّرون ويتذَّرعون، عليهِم جميعاً أَن ينزلُوا ليُساهمُوا في مساعي الإِصلاح ليس فقط دِفاعاً عن الآخرين الذين تضرَّرُوا من الفسادِ والفشل أَكثر من غيرهِم من الشُّركاء في الوطن، وإِنَّما دِفاعاً عن أَنفسهِم كذلك، لأَنَّ الفساد والفشل إِذا لم يواجههُ المُجتمع فسيعُمَّ ويشمل كلَّ شبرٍ من البِلاد إِن عاجلاً أَم آجلاً، وتلكَ هي طبيعةُ الأَشياء!.
نأمل أَن يكونَ العام الجديد هو عامُ الإِصلاحِ الحقيقي الشَّامل، فليسَ أَمامنا مُتَّسعٌ من الوقتِ قبلَ أَن نُعلنَ العراقَ [دولةً فاشلةً] لا سمح الله، فيما تزحف الدَّولة العميقة لتهضم الدَّولة.
لِلتَّواصُل؛ E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com