بقلم: نجاح بيعي.
لم يُصاحب تكليف أحد من السياسيين لرئاسة مجلس الوزراء من حضور إعلامي استثنائي , الى حدّ الترويج المُبالغ فيه والتشويش والكذب والخداع مثلما صاحب السياسي "عادل عبد المهدي" لذلك. ولعل أكثر قضية تناولها الإعلام المرئي والمسموع والمقروء , فضلا عن مواقع التواصل الإجتماعي المختلفة (عبر الجيوش الألكترونية) وبشكل مُلف للنظر, هي قضية أن السياسي "عادل عبد المهدي" هو مُرشح المرجعية الدينية العليا.
ـ تُرى لماذا هذا الربط القسري بين إسمين (السيد السيستاني وعادل عبد المهدي) لا وجه للمقارنة بينهما والإصرار عليه مع الفارق الكبير ؟. ولماذا كل هذا الزّج القهري بين عنوانين لا يمت أحدهما للآخر بصلة (المرجعية الدينية العليا ورئاسة مجلس الوزراء) مع الفارق الأكبر؟.
ولكي تتضح لنا الصورة أكثر وتسهل استيعابها , ربما يجدر بنا الوقوف قليلا ونستشرف بعض الأسباب التي دعت الإعلام السياسي الحزبي ـ المحلي والدولي ـ والمغرض في آن واحد , الى تبني تسويق فكرة أن "عبد المهدي" هو رجل المرجعية العليا في هذه المرحلة بالذات. مع أني أحسب تلك الأسباب الكامنة وراء ذلك , إنما جاءت كنتيجة لمسيرة عمل سياسي غير ناضج ومنحرف وغارق بالفساد المالي والإداري , من شأنها القفز على الدستور والقانون والأعراف حتى شارفت الدولة على الإنهيار, من قبل جميع الفرقاء السياسين منذ انطلاق العملية السياسية عام 2003م وللآن. ومن تلك الأسباب:
1ـ عِلم الطبقة السياسية المًتنفذة المُسبق بأن المرشح "عبد المهدي" , هو مرفوض أصلا من قبل المرجعية العليا وقطاعات واسعة من الشعب العراقي. كونه لا تنطبق عليه المواصفات التي اشترطتها المرجعية في شخص رئيس مجلس الوزراء. كأن يكون مثلا:(حازما وقويّا ويتّسم بالشجاعة الكافية , في مكافحة الفساد المالي والإداري..) هذا أولا. وثانيا تصريح المرجعية العليا بوضوح حسب ما ورد على موقعها الرسمي من أنها (لا تؤيد رئيس الوزراء القادم اذا اختير من السياسيين الذين كانوا في السلطة في السنوات الماضية بلا فرق بين الحزبيين منهم والمستقلين..) و"عبد المهدي" منهم.
2ـ إفلاس الطبقة السياسية المُتنفذة تماما لعدم امتلاكها الإرادة الوطنية , وبالتالي عدم قدرتها على تنفيذ ما طالبت به المرجعية العليا منهم , وإصرارهم على أن يكون مرشح رئاسة مجلس الوزراء , من داخل المنظومة السياسية الفاسدة لا من خارجها.
3ـ التأكيد على أن ليس هناك مَن يستطيع أن يُملي على الطبقة السياسية (المُتنفذة) , حتى لو كانت المرجعية الدينية العليا بنصحها وإراشادها. مع أن الأمر ليس كذلك مع سطوة ونفوذ وإملاء العامل الخارجي (الدولي ـ أجندات الخارجية). وتدخلهم الفاضح في الشأن السياسي ومحق الإرادة الوطنية , حتى بات واضحا عند القاصي والداني كيف انشطرت الساحة السياسية العراقية طوليا الى محورين متعاكسين تتجاذبهما قوتين خارجيتين هما (أميركا وإيران).
4ـ توصيل رسالة بأن الطبقة السياسية المُتنفذة قادرة لوحدها على تمرير ما تراه مناسبا لها لإدارة البلد (المُحاصصة أنموذجا)بما يحفظ مكاسبها الحزبية والسياسية في الدولة العراقية.
5ـ إيهام الأذهان المُغررة بأن فشل "عبد المهدي" كرئيس لمجلس الوزراء , فيما لو فشل في تطبيق برنامجه الحكومي (وهي أكثر من صعبة) أنما تتحمله المرجعية العليا فقط , كونها هي مَن دفعت به لهذا المنصب وباركت له.
6ـ إخفاء الأسس الغير سليمة والغير صحيحة التي شابت عملية الترشيح والتكليف. وتمثلت في خرق المادة (76 أولا) من الدستور العراقي والتي نصت على:(يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء..) حيث للآن لم يجرؤ أحد من تسمية أو الإشارة الى الكتلة الأكبر ليكون هو مرشحها. فالكل (يدّعي وصلا بليلى..). لذلك عمدت الطبقة المُتنفذة الى ـ ذر الرماد في العيون ـ وابتدعوا عُرفا سياسيا جديدا غير مسبوق وأسموه بـ(مُرشح التسوية). مع ملاحظة كون مُرشح رئاسة الجمهورية ومُرشح رئاسة مجلس الوزراء , لم يأتوا عن طريق إنتخابات حرة مباشرة.
7ـ ولعل أقوى سبب بين الأسباب يكمن في عِلم الطبقة السياسية المُتنفذة المُسبق , بعدم رضا المرجعية الدينية العليا أصلا بمخرجات المسار الإنتخابي الذي أفضى الى ترشيح وتكليف السياسي "عادل عبد المهدي" وأقرانه على رأس السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ـ وهل أبدت المرجعية العليا عدم رضاها بالمسيرة الإنتخابية وبتشكيل الحكومة التي هي إحدى مخرجاتها ؟. متى كان ذلك ؟. وكبف ؟.
ـ نعم كانت المرجعية العليا قد أبدت عدم رضاها في المسيرة الإنتخابية في المجمل إلا مع شروط كانت قد أثبتتها. حيث قالت جهارا نهارا وعبر منبر جمعة كربلاء في يوم 4/5/2018م (أي قبل الإنتخابات الأخيرة) مانصه: (من الواضح أنّ المسار الإنتخابي لا يؤدّي الى نتائج مرضية إلّا مع توفّر عدّة شروط..). وحسبي بالنتائج إن لم تكن في اختيار رؤساء السلطتين التنفيذية والتشريعة بما في ذلك الكابينة الحكومية. كما واشترطت المرجعية العليا (4) أربعة شروط لرفع عدم الرضا ذاك , عن المسيرة الإنتخابية التي تعتبر الأساس الدستوري ـ الشرعي لكل محرك في مفاصل الدولة كما هو واضح.
ـ وليس هناك عاقل يقطع بأن الطبقة السياسية المُتنفذة , قد أخذت شروط المرجعية العليا على محمل الجدّ في التطبيق لنجاح المسار الإنتخابي. أوعملت بها من قريب أو بعيد بما يُرضي الضمير القانوني والوطني والأخلاقي.وشروط المرجعية العليا نصا هي:
1ـ (أن يكون القانون الإنتخابي عادلاً يرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالإلتفاف عليها). وتم الإلتفاف عليه باعتماد قانون انتخابي جائرعُرف بقانون بـ(سانت لييغو) السيئ الصيت.
2ـ (أن تتنافس القوائم الإنتخابيّة على برامج اقتصاديّة وتعليميّة وخدميّة , قابلة للتنفيذ بعيدا عن الشخصنة والشحن القومي أو الطائفي والمزايدات الإعلاميّة). كذلك تم الإلتفتف عليه , وللآن لم نر شيئ من ذلك سوى زعيق التنافس والصراع الحزبي والسياسي المُخجل حول المناصب والمكاسب.
3ـ (أن يُمنع التدخّل الخارجي في أمر الإنتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره وتُشدّد العقوبة على ذلك). فكان ذلك صراحة وبالعلن وبلا حياء حتى انشطر القوم الى خندقين (أيران وأميركا) مما لا يخفى.
4ـ (وعيُ الناخبين لقيمة أصواتهم ودورها المهمّ في رسم مستقبل البلد. فلا يمنحونها لأناسٍ غير مؤهّلين إزاء ثمنٍ بخس ولا اتّباعا للأهواء والعواطف أو رعايةً للمصالح الشخصيّة أو النزعات القَبلية أو نحوها). بالطبع.. فلولا انتفاء الوعي لدى الناخب العراقي لما وصل هؤلاء الغير مؤهلين أصلا , فصار لا يُرى في وجوههم أدنى خير.
أقرأ ايضاً
- أثر الزمان في تغير الاحكام القضائية
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر
- لماذا تصمت الحكومة أمام عقود أندية دوري "لاليغا" ؟