- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لماذا تصمت الحكومة أمام عقود أندية دوري "لاليغا" ؟
بقلم: إياد الصالحي
من هو المدرّب التاسع عشر الذي ستُطيح به إدارة ناديه في المرحلة الثانية من دوري نجوم العراق؟ رُبّما أثناء نشر رأينا يتم الإعلان عن اسمه بعدما أصبحت كرة الدوري تُضاهي دوريّات المنطقة بأعلى أرقام الضحايا من المدرّبين تحت "مقاصِل" الإقالة أو الإستقالة وليس باستقطاب نجوم كبار أو ارتفاع مستوى المنافسة أو بروز لاعبين شباب يستحقون ارتداء قمصان المنتخب الوطني ويحتار مدرّبه الإسباني خيسوس كاساس أيّهما يستدعي ليكون برفقتهِ في التصفيات النهائيّة المؤهّلة لكأس العالم 2026!
المؤلم في تعدّد تغيير مدرّبي دوري نجوم العراق، أن مدرّبًا وطنيًّا (أطال الله في عمرهِ وعافاه) لم يترك محفلًا محليًّا وخليجيًّا وقاريًّا وأولمبيًّا إلا ورفع رؤوس العراقيين قدر حظوظ منتخباتنا ولاعبيها في تلك المناسبات وظروف التحضير العصيبة لها، ظلّ يسألني منذ يومين عن حقيقة ما يجري في أغلب الأندية من حركة غريبة لخروج ودخول مدربين لفرق بعينها خلال مُدد قصيرة، وما دور الإعلام في تنبيه إداراتها عن أضرار الحركة على سُمعة اللعبة وتباين أسلوب التدريب في الفريق وشحّة عطاء اللاعبين ومردودهم الفني في التحدّيات الدوليّة؟!
مِن حقِّ مدرّبنا الكبير أن يُبدي استغرابهِ لتكرار حلقات التعاقد مع مدرّبين تُنهى مهامّهم بعد فترة، ويتم التفاهم والتناغم مع بُدلاء يؤول مصيرهم كسلفهم، وهكذا، وسط ارتياح وبرود وإطمئنان رئيس النادي واثنين من أقرب المؤتمنين إليه في مجلس الإدارة بزوال سُخط الجمهور على نتائج الفريق المُتراجعة من خلال إبعاد المدرب، وإرجاء خطر تهديد مقاعدهم لإسبوعين وأكثر، ولا يتورّعون في حرق البخور قبيل كُل مباراة لعلّها تفضي إلى التعادل أو الخسارة بأقل الأهداف!
صراحة، كُل ما تمَّ مناقشته في الصُحف والبرامج الرياضيّة والمواقع الإجتماعيّة والمنتديات عن ظاهرة تغيير المدرّبين هو إجترار لحكايات هدفها التندّر بالتغيير كونه أقرب إلى مقلب ساخر بكاميرا واقعيّة يلعبُ المدرب دوره برضاه، وكذلك، لتصفية حساب (ضيف البرنامج) مع إدارات أندية معيّنة كونه تجرّع مرارة الإبعاد قسرًا وعُدَّ رقمًا بين ضحايا المقاصل في يوم ما! أو هناك من لم يجد له عملًا أو وسيطًا يُقرّبهُ من هذا النادي وذاك ويُظهِر أمام الشاشة فلسفة رؤاه للظاهرة بعين الاستنكار لما يجري مُحمِّلًا المسؤوليّة للمدرّب الضعيف الذي لم يُحسِن التريُّث في إبداء الموافقة على قبول العقد ولم يتعامل بحكمة مع سياسة الإدارة أثناء مرحلة التفاوض، وحقا أن شرّ البلية ما يُضحك فـ (المُستنكِر) نفسه ينسى حتى نفسه إذا ما تسلّم الآن مُقدّمة عقد وتواجد ضمن نُخبة العشرين مدرّباً أمام عشرات الألوف من الجماهير المتابعة لمباريات الدوري، فأي كلام.. وأية رؤية!
ترى ما تأثير فوضى تغيير 18 مدرّبًا في الدوري العراقي؟ فبعد مضي ستة أشهر وثلاثة عشر يومًا على انطلاق الدوري الجديد، لا ألوم اتحاد كرة القدم (المسؤول عن المسابقة) ورئيسه يعترف بخيبته لعدم تمكّنه من تحقيق سوى 10% ممّا خَطَّطَ لدوري المحترفين! فقيمة الدوري اليوم أقلُّ بكثير من تأريخهِ العتيد في زمن الكباتن "أنور جسام وجمال صالح وعمو بابا وأيوب أوديشو وعدنان حمد" وغيرهم الذين استقرّوا مع فرقهم سنوات طويلة وأصبحوا رموزًا لها وصنعوا ألقابها ونجومها في السبعينيّات والثمانينّات والتسعينيّات التي كانت أضعف مباريات تلك المواسم هي أقوى من أي مباراة لقمم نجوم العراق حاليًّا (فنيًّا وجماهيريًّاً وإعلاميًّا وتنظيميًّا) ومن عاش أجواء تلك الدوريّات يعي صدقيّة انعدام المُقارنة في كُل التفاصيل برغم حياة التقتير الشديد آنذاك!
عن أي دوري "عصري" نحلم وصراحة رئيس الاتحاد كشفت النسبة الفعليّة لدراية وخبرة وطموح مؤسّسته على أرض الواقع؟ لا يمكن إخراج نموذج الدوري العراقي نظامًا ولوائحًا وخَلاصًا مُتكاملًا من سلبيّات متراكمة طالما يستمرُّ ترحيلها من عامٍ إلى عام، وتناولها رؤساء سابقين بحلاوة ألسنتهم قبل دخولهم انتخابات الاتحاد، وعندما واجهوا المشاكل ذاتها خرجت كلماتهم كالعلقم لتقوّض مشاريعهم في منتصف الطريق كما الحال مع (اللاليغا) فما بُني على أرض رمليّة بسهولة يُصعب إعماره بين الرُكام إذا ما سقط!
ولهذا لا توجد نهاية لظاهرة التضحية بالمدرّبين حتى انتهاء الموسم التجريبي، كما يبدو، لدوري نجوم العراق، فلا سُلطة للاتحاد على الأندية التي تتمتّع بالاستقلاليّة الإداريّة والماليّة خاصّة تلك المُرتبطة بالمؤسّسات الحكوميّة، وعددها عشرة أي نصف مجموع الأندية المشاركة في النسخة الحاليّة، وإذا ما أرادت حكومة المهندس محمد شياع السوداني أن تفتح ملف (أموال الأندية الرياضيّة) عبر أذرع التدقيق والمُحاسبة في لجان الوزارات المُشرفة عليها، ينبغي هنا التعامل مع عقود المدربين بأقيامها الباهظة والنتائج الهزيلة مثل تعاملها مع بقيّة العقود الخاضعة لدوائر النزاهة في كُل وزارة، فمن غير المعقول أن يتم التحقيق مع موظّف صغير ثبت سوء تقديره للتعاقد في مادّة ما كلّفت الميزانيّة رُبع قيمة مبلغ التعاقد مع مدرب في نادٍ ما، ويتم إيداعه السجن في حين تستنزف بعض إدارات الأندية ملايين الدنانير من ميزانيّة الدولة للتعاقد مع مدرب تختاره بإرادتها وتحدّد سعر التفاوض (من مال الحكومة) وبعد أسبوعين أو شهر أو شهرين تنهي ارتباطهِ بالفريق بمزاج رئيس النادي أو تحت ضغط الجمهور!! وتذهب للتعاقد مع مدرب آخر بنفس المبلغ أو أقلّ منه ثم تقيله وتعود في المرحلة الثانية من الدوري إلى المدرب الأوّل "المُقال" لتكتب معه بنود عقد جديد!
كُل ذلك يجري أمام صمت الحكومة ووزارات الأندية، كأن عقود الرياضة وأموالها تتمتّع بتوصيف خاص يُحصِّنها من مُساءَلة رؤساء الأندية برغم حجم الخروق الكبيرة التي كشفت عنها حملة منح التراخيص قبل مشاركتها في دوري المحترفين، وحتى قبل ذلك بسنين طويلة لم تضع الحكومة أيّة ضوابط تلزم الأندية بنظامٍ ماليٍّ يُحدّد مبالغ العقود حسب تصنيف المدرّب وخبرتهِ ومدّة استمرارهِ وفقًا للائحة تسري على الجميع تضمن حقوق الطرفين، ولن تُمكِّن رئيس النادي من التلاعب أو المداهنة بها، وإلا فالقضاء يحْكُم بالجزاء العادل لحماية المال العام.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!