- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ايهما اصلح للعراق الرئاسي ام البرلماني ؟
عباس الصباغ
ونحن نعيش غمارَ التئام السلطة التشريعية بنسختها الرابعة، والترقبَ القلقَ حول تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بعد مشوار ماراثوني مضنٍ خاضته الكتل البرلمانية الفائزة انصبّ حول تشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى التي سيناط اليها تشكيل الحكومة المرتقبة، يتجددُ الجدل المحتدم حول ماهية النظام السياسي الاصلح للعراق، هل هو النظام الرئاسي المثير للجدل ام هو النظام البرلماني المعمول به حاليا ؟ وفي الحقيقة ان لكل نظام سياسي فلسفته الاجرائية ومثالبه ومحاسنه، وتبقى النتائج مرهونة بالنخب السياسية الذين يتبعون هذا النظام او ذاك فتترتب النتائج وفق ذلك سلبا او ايجابا .
ولطالما استعرت المطالبة بالنظام الرئاسي ليكون بديلا عن النظام البرلماني بحجة ان الاخير لم يكن يعد ملائما لمتطلبات العراق الذي دخل مباشرة وبدون تمهيد الى ديمقراطية تمثيلية وتوافقية (تحاصصية) وبعد عقود من العيش تحت ربقة نظام ديكتاتوري أوتوقراطي وشمولي فلم يخض العراق قبل (3003) اية تجربة ديمقراطية مهما كان شكلها ولم يجرّب حظه مع اي نظام ديمقراطي سواء أ كان برلمانيا ام رئاسيا ام مختلطا فلم تتراكم بذلك اية تجربة ديمقراطية للنخب السياسية العراقية، فلا يجوز تحميل نظام تتخذه الكثير من الدول ونجحت فيه، اخطاء وخطايا نخب سياسية لم تمتلك تجارب ديمقراطية كافية لإدارة تجربة فتية ناهيك عن الفساد الذي استشرى في معظم مفاصل الدولة ، ولايجوز ايضا ابراز النظام الرئاسي على انه سيكون عصا سحرية تلقف كل مشاكل البلاد، ومازال البعض يغضّ الطرف عن محاسن النظام البرلماني ويوجّه النقد اللاذع له محمّلا اياه كل الاخفاقات والتعثرات التي شابت الاداء الحكومي لأكثر من عقد ونيف، ومن غرائب الصدف ان الولايات المتحدة عرابة التغيير النيساني في العراق وذات النظام الرئاسي العتيد والناجح فضّلت انتهاج النظام البرلماني في العراق مع العلم المسبق بانه نظام لايتناسب مع الدول حديثة النشأة او غير المستقرة كالعراق ولقد كان من الخطأ الستراتيجي ذلك الانتقال المفاجئ من نظام عسكرتاري شمولي الى نظام ديمقراطي نيابي يحتاج الى خبرة طويلة في هذا المضمار، وهذا الانتقال الحاد كان جزءا من الفوضى الخلاقة التي اعتورت المشهد السياسي العراقي، فلم يكن انتقالا ديمقراطيا حقيقيا مدروسا.
يكمن جوهر العقدة في المطالبة اللحوحة بالنظام الرئاسي في وجود بعض العيوب في النظام البرلماني ـ الذي تأسس في بريطانياـ والمتمثلة في تداخل الصلاحيات بين السلطات الحكومية الثلاث وتشابكها فكان السبب الرئيس في الاخفاق في الاداء الحكومي وبالعكس تماما من النظام الرئاسي الذي يقوم على فصلٍ صارم بين السلطات التنفيذية، ويمنح صلاحيات واسعة للرئيس والذي يُنتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر، ويُشكل حكومة لتنفيذ برنامجه السياسي تكون مسؤولة أمامه وليس أمام البرلمان كما هو الحال في النظام البرلماني. وبحكم الفصل الصارم بين السلطات فإن البرلمان ليست له صلاحية إسقاط الحكومة كما أنها في المقابل لا تملك صلاحية حله. وتتجمع السلطة التنفيذية في يد رئيس الدولة وحده، الذي يجمع بين صفتي رئيس الدولة ورئيس الحكومة، ويملك اختصاصات وصلاحيات الصفتين.. اما النظام البرلماني فهو يقوم على وجود مجلس منتخب يستمد سلطته من سلطة الشعب الذي انتخبه ويقوم على مبدأ الفصل بين السلطات وعلى أساس التوازن والتعاون بينها. وتتكون السلطة التنفيذية في هذا النظام من طرفين هما رئيس الدولة ومجلس الوزراء ويلاحظ عدم مسؤولية رئيس الدولة أمام البرلمان أما مجلس الوزراء أو الحكومة فتكون مسؤولة أمام البرلمان أو السلطة التشريعية.
وبرايي كان الاصلح للعراق هو النظام شبه الرئاسي وهو نظام خليط بين النظام الرئاسي والبرلماني. يكون فيه رئيسا الجمهورية والوزراء شريكين في تسيير شؤون الدولة، ويختلف توزيع هذه السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من بلد إلى آخر،، ويختلف عن النظام الرئاسي في أن رئيس الوزراء مسؤول أمام البرلمان ويستطيع البرلمان محاسبته وعزله، بحيث تكون فيه الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، وتستمد الحكومة شرعيتها، وقوتها من البرلمان، كما أن الحكومة تكون مسؤولة أمام رئيس الدولة. ومع هذا تستمر المطالبة بالنظام الرئاسي رغم ان الدستور العراقي الدائم نص على:[ المادة (1):- جمهورية العراق دولةٌ مستقلةٌ ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني)] فيحتاج الامر الى تعديل دستوري قبل التفكير بذلك.