ما هو مفهوم العولمة أو ماذا تعني العولمة .. إن مفردة العولمة بحد ذاتها هي ترجمة للمصطلح الإنجليزي (Globalization) كما إن البعض الأخر ترجمه بـ(الكونية) ، وبعضهم يترجمه بـ(الكوكبة) ، وبعضهم ترجمه بـ(الشوملة) ، إلا إنه في الآونة الأخيرة او في السنوات الأخيرة أشتهر بين الباحثين والمعنيين مصطلح "العولمة" وأصبح هو أكثر الترجمات شيوعاً بين أهل الساسة والاقتصاد والإعلام .. وتحليل الكلمة بالمعنى اللغوي يعني تعميم الشيء وإكسابه الصبغة العالمية وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله . وفي اللغة العربية نجد ان العولمة مصدراً فقد جاءت توليداً من كلمة عالم ونفترض لها فعلاً هو عولم يعولم عولمة بطريقة التوليد القياسي ... وأما صيغة الفعللة التي تأتي منها العولمة فإنما تستعمل للتعبير عن مفهوم الأحداث والإضافة ، وهي مماثلة في هذه الوظيفة لصيغة التفعيل .. وفيما يخص تعريف معنى العولمة فقد اختلفت وكثرت المعاني والأقوال في تعرفيها وصار انك لا تجد تعريفاً جامعاً وشموليا ً يحوي جميع التعريفات وذلك لغموض مفهوم العولمة ، ولاختلافات وجهة الباحثين فتجد للاقتصاديين تعريف ، وللسياسيين تعريف ، وللاجتماعيين تعريف ، وهكذا صار لكل مهتم وباحث معناه الخاص وتفسيره الخاصة بما يتلاءم ومسعاه ، ويمكن لنا في هذه المقالة ان نصنف بعض هذه المعاني والتفسيرات للعولمة الى أكثر من صنف ، وقبل ان ندخل في التصانيف والأقسام أود هنا ان استعرض رأي أخر وتفسير أخر للعولمة فنجد ان مفهوم العولمة ركز على البعد الاقتصادي ولعل هذا نابع من كونها نتاج لتطور النظام الرأسمالي وحاجته إلى التوسع المستمر في الأسواق ، إلا أن دلالة المصطلح استقرت على أن العولمة هي ظاهرة تتداخل فيها أمور السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والسلوك ، وتحدث تحولات تؤثر على حياة الإنسان في كوكب الأرض أينما كان وتبرز بفعل هذه التحولات قضايا لها صفة العالمية مثل قضايا الاقتصاد والسياسة والبيئة.
أما إذا أردنا أن نتعمق في الفهم الإدراكي والمنطقي للعولمة ونصل إلى تعريف شامل للعولمة ، فلا بد لنا أن نضع في الحسبان بضعة مقومات تقوم بدورها في توضيح معنى العولمة ، فالمقوم الأول يتعلق بانتشار التكنولوجيا المعلوماتية لتصبح مشاعة بين الناس على مختلف ألوانهم وأشكالهم وانتماءاتهم كأجهزة الحاسوب والانترنت والهواتف المحمولة وحتى الألعاب الالكترونية الخاصة باليافعين ، والمقوم الثاني هو عملية صهر الحدود بين الدول وفتحها بعضها على بعض عن طريق التواصل الالكتروني بين الأمم وبشكل آني وفوري ، والمقوم الثالث والأخير هو إيجاد تشابه وتماثل بين كافة الشعوب والجماعات والمجتمعات بمختلف توجهاتها وأفكارها.
وإذا أردنا أن نتعرف على بداية نشوء العولمة وتكوينها فهي تعود إلى حقبة انهيار سور برلين او جدار برلين ، وتفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط النظام الاشتراكي والذي كان يتقاسم الهيمنة مع الولايات المتحدة انتصاراً للنظام الرأسمالي الليبرالي والتي أظهرت ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يدعو إلى النظام الرأسمالي وتبني أيدلوجية النظام العالمي الاستعماري والتي تمثل مرحلة متطورة للهيمنة الرأسمالية الغربية على العالم .. إن سقوط النظام الاشتراكي أدى إلى تحول العالم من "نظام الحرب الباردة" المتمركز حول الانقسام والأسوار إلى نظام العولمة المتمركز حول الاندماج وشبكات الإنترنت تتبادل فيه المعلومات والأفكار والرؤى بكل يسر وسهولة ، وانتصار الرأسمالية على الاشتراكية أدى إلى تحول كثير من الاشتراكيين إلى الرأسمالية والديمقراطية باعتبارها أعلى صورة "بزعمهم" وصل إليها الفكر الإنساني وأنتجه العقل الحديث حتى عده بعضهم أنه نهاية التاريخ ، لأنهم البسوا العولمة ثوب الحرية والسلام ، وكذلك رسمت العولمة صورة جميلة لحقوق الإنسان ، كما ان العولمة قد ركزت وبشكلاً واضح على حقوق المرأة .. ولعل البعض يتساءل .. هل هذه هي الأهداف الحقيقية للعولمة ..؟ بل ان بعض الباحثين قالوا إن الهدف الحقيقي للعولمة هو الهيمنة العالمية وإن تغيرت الأشكال والألوان لكن الجوهر واحد والحجة واحدة وهي تفوق الإنسان الغربي وتمجيد اختياراته وعظمة ثقافته وقيمه وضرورة إخضاع الناس له مهما كان الثمن فادحاً ، وهنا نستعرض ما قاله الكاتب المصري الكبير شوقي جلال ((من السذاجة بمكان أن نتصور أن العولمة مجرد تفوق تكنولوجي، أو سيطرة البورصات والتنافس الاقتصادي، إنها في الحقيقة عملية سياسية تقودها الدولة الأمريكية بالاعتماد على قدراتها العسكرية ونفوذها السياسي)) .. كما إننا لو رجعنا الى الخلف قليلا ً لنرى كيف عبر الغرب قديما عن هيمنته وسيطرته بأسماء مثل "الاستعمار" أي إعمار الأرض ، وقالوا أن الشعوب الأخرى الملونة ليست قادرة على حكم نفسها، ولا بد لنا "أي المستعمر" أن نقوم برسالتنا التاريخية في نقل المدنية والعلم والتقدم إليها لتقوى تلك الشعوب على إدارة شؤونها وتسيير أمورها في تمدن وتحضر ، وكما قال ريتشارد جاردنر في كتابه (نحو نظام عالمي جديد) (( لقد كان توماس جيفرسون يعبر عن إيمان آبائنا -الذين أقاموا دعائم بلادنا- العميق عندما تنبأ بأن نيران الحرية وحقوق الإنسان سوف تنتقل من أمريكا لكي تنير مناطق أخرى من الأرض ،، وقال جيفرسون هذا في موضع آخر "الأمريكيون شعب الله المختار، لهم الحكم والهيمنة اختيارا أو قوة أو قسرا" )).
وقد عبر بعض المختصين ان العولمة فهي انسلاخ عن قيم ومبادئ وتقاليد وعادات الأمة وإلغاء شخصيتها وكيانها وذوبانها في في عادات وتقاليد واعرف مغايرة عنها ، فالعولمة تأتي من رغبة بعض الأفراد والجماعات بحيث تقضي على الخصوصيات ومبادئها تدريجياً من دون الدخول في صراعات إيديولوجية ، فهي تقوم على تكريس إيديولوجيا الفردية في مجتمعات أخرى هي تقصدها وتحددها ، فالعولمة تقوم بإلغاء كل ما هو جماعي واممي ، ليبقى الإطار " العولمي" هو وحده الموجود في تلك البيئة او المجتمع او الكيان ، فهي تقوم بتكريس النزعة الأنانية وطمس الروح الجماعية ، وتعمل على تكريس الحياد وهو التحلل من كل التزام أو ارتباط بأية قضية ، وهي بهذا تقوم بوهم غياب الصراع الحضاري أي التطبيع والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري ، وبالتالي يحدث فقدان الشعور بالانتماء لوطن أو أمة أو دولة ، مما يفقد الهوية الثقافية من كل محتوى ، فالعولمة كما عبر عنها البعض انها عالم بدون دولة ، بدون أمة ، بدون وطن إنه عالم المؤسسات والشبكات العالمية والتقنيات الالكترونية الفريدة.
أقرأ ايضاً
- العولمة .. (وطرزانات) الشهرة-شهرة( الفسيل)
- تحديات العولمة الثقافية –الإمبريالية-
- الصعاليك في زمن العولمة