- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الصوم تنقية للعقل وتنزيه للقلب
حجم النص
بقلم حسن كاظم الفتال
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) ـ آل عمران/8 الحديث عن الصوم وأهميته وآثاره الإيجابية ، الإنسانية، التربوية، الصحية والنفسية وغيرها ربما تكرر كثيرا ومن قبل معظم العلماء والباحثين والمحققين والمحدثين ولكن ليس بالضرورة أن نحسب التكرار غير ذي جدوى إذ أن هؤلاء المسبوقي الذكر كلٌّ له طريقتُه ووسيلتُه واسلوبُه بالحديث ومن المحتم أن يختلف بعضٌ عن بعض . ثم لابأس حين يكون تكرارالحديث يصب في إغناء وإثراء الموضوع واتمام الفائدة للآخرين وكذلك في توضيح وبيان عظمة ومنزلة وأهمية شهر رمضان المبارك التي تستحق الكثير الكثير . وفضلا عن ما كتب من المسلمين فقد سمعنا وقرأنا ما هو وافر أيضا من أفواه وأقلام الحكماء والفلاسفة والمستشرقين وربما مما لا يعد ولا يحصى ، ان شهر رمضان المبارك يمكن أن يكون بالنسبة للمرء مناسبة للوقوف في محطة التفكر وإعادة النظر في مسيرة الحياة الشخصية في تربية النفس وتهذيبها . ويتم ذلك عن طريق محاسبة النفس وردعها من أن تنساق انسياقا سريعا أعمى لأوامر الغرائز وتلبية نداء الشهوات والملذات. ومما لا يرقى له الخلاف أو النكران أو مما هو معلوم أن الإنسان ميّال بل توّاق لامتلاك الخير طوال مسيرة حياته . والله سبحانه وتعالى أرأف بعباده من كل مخلوق سواه يفيض على العباد بالخير والبركة والسعادة وكلِّ الفيوضات . وقد قال في محكم كتابه الكريم وخطابه العظيم (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ـ البقرة /184 الله سبحانه وتعالى مصدر الخير والبركة والرحمة يخبر عباده بأن الصوم يعني إتيان الخير وتحقيقه وكيف هو الخير الوادر من الله جل وعلا لا شك أنه وفير وعام في شموليته فهو يشمل كل المجتمعات من ناحية والأشخاص من ناحية أخرى وعندما يختص بالأشخاص فسوف يشمل الأبدان والأرواح وحتى العقول والضمائر.
سلامة العقل من سلامة القلب
وللصيام آثار كثيرة وكبيرة ومهمة . حيث أن امتناع العبد عن الأكل والشرب ومكابدة الجوع والعطش يعين الجسم على اكتسابه صحة وعافية ويمرن الأعضاء على العمل المنتظم المريح ويمنح المعدة فرصة لتستريح لفترة معينة . ويقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ( إن المعدة بيت الداء ) . وبذاك يكون الجسم سليما صحيحا معافى لا علة فيه . وسلامة الجسم تجعل كل ما فيه محاطا بالسلامة والأمان ، وفي مقدمة ما يتمتع بهذه السلامة العقل الذي هو أشرف الخواص الإنسانية ، عندها يسلم الشعور ويحسَن التصرف. وكذلك القلب ذلك الجهاز الفاعل العامل على مدار الساعة في قبول كلما هو حسن ورفض كلما هو سيء. والقلب هو أفضل وعاءٍ تستقر به التقوى عندما يصبح خاليا من كل زيغ وسُقم. وقد قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : لا يصدر عن القلب السليم إلا المعنى السليم. وقال صلوات الله عليه الصحة بضاعة ، والتواني إضاعة، إن من النعم سعة المال وأفضل من سعة المال صحة البدن وأفضل من صحة البدن تقوى القلب . والتقوى هي بمثابة الحارس الأمين للنفس أو المرشد لها إلى طريق الصلاح والفلاح وحمايتها من الإنزلاق إلى الموبقات هي أي التقوى السائق المخلص للنفس والناهي عن ارتكاب المحرمات والالتزام التام بما أوجبه الله جل جلاله على العبد وقد قال تعالى : ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) ـ البقرة / 197 وقال تعالى ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) والتقوى تنمي ملكات الخير في الإنسان وربما بها يبلغ مرتبة الكمال بنزاهة بالغة . وقد جاء عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ودع المؤمنين قال: ( زودكم الله التقوى، ووجهكم إلى كل خير، وقضى لكم كل حاجة، وسلم لكم دينكم ودنياكم وردكم سالمين)