
رغم تسارع الحراك السياسي العراقي استعداداً للانتخابات المقررة في تشرين الأول المقبل، فإن الواضح هو تراجع اهتمام الشارع العراقي بالاستحقاق السادس من نوعه منذ الغزو الأميركي للبلاد، فيما يرجع مراقبون ذلك إلى "الشعور باليأس"، من إمكانية أن تُحدث هذه الانتخابات أي تغيير حقيقي، خاصة أن الوجوه ذاتها والشعارات السابقة تتكرر في هذه الانتخابات منذ الآن.
ويقابل الشعب العراقي الحديث السياسي أو الحزبي بكل أنواع التندر والسخرية، في حالة تمثل تعاظم حالة الانفصال عن الواقع السياسي بعد سنوات الرفض والاحتجاج؛ التي تمثلت بمقاطعة الانتخابات والتظاهرات ثم التصويت العقابي لصالح جهات سياسية على حساب جهات سياسية أخرى.
أسباب العزوف
ويقول رئيس مركز "التفكير السياسي"، إحسان الشمري، إن "الانتخابات في العراق تعرضت لضربات كثيرة في مصداقيتها على مدار التجارب السابقة، ولهذا فإن العراقيين لم يعودوا يهتموا بها كثيراً، بل وفقدوا الثقة بهذه الآلية الديمقراطية".
ويضيف الشمري: "زاد ذلك تعليقات واعترافات الأحزاب نفسها بعمليات تزوير سابقة في الانتخابات والقيام بالتلاعب في النتائج"، معتبراً، أن "صعود قوى السلاح (الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة) على حساب القوانين والأعراف، مع وجود مال سياسي كبير يؤدي إلى السيطرة على الدولة، ناهيك عن انكفاء النخب الوطنية جرّاء الإقصاء الذي تعرضوا له، بالتالي فإن هذه الأسباب تعاظمت وقد تكون الانتخابات المقبلة هي الأكثر عزوفاً"، على حد قوله.
والأسبوع الماضي، قدّمت اللجنة القانونية في مجلس النواب العراقي، تعديلاً جديداً على قانون الانتخابات، يتضمن حزمة من التغييرات. ووفقاً للمقترح، الذي قدمه عضو اللجنة القانونية، النائب رائد المالكي، سيجري اعتبار المحافظة دائرة انتخابية واحدة، باستثناء محافظات بغداد والبصرة والموصل، التي ستُقسَّم إلى دائرتين انتخابيتين.
الناشط السياسي محمود الدباغ، أشار في هذا السياق إلى أن "أغلب العراقيين فقدوا شعورهم بالمواطنة ولا يشعرون بأنهم ينتمون لهذا البلد، في نتيجة متراكمة لسلب حقوقهم المدنية والسياسية تدريجياً، بالإضافة إلى انعدام التغيير الملموس في المنظومات المتعاقبة بعد عام 2003، مع وجود فارق بسبب إعادة تدوير الوجوه وحكم العوائل، ما جعلها غير مهمة بالنسبة لأغلب الشعب ويعاقبون النظام بمقاطعتها، وتقتصر على جمهور الأحزاب في الغالب".
ولفت الدباغ إلى أن "نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة لن تتجاوز النسب المعتادة، وإن ارتفعت قليلاً، فغالباً سيكون الارتفاع بسبب الترغيب من خلال بعض الوجوه الجديدة أو الوعود الفارغة، التي تصاحب أموال الفساد المُتوقع ضخها للشارع خلال السباق الانتخابي القادم".
وأوضح، أن "للحركات المدنية دوراً محورياً في الدفع باتجاه المشاركة الفعالة بالانتخابات، خصوصاً أن نسبة الشباب تتجاوز 60 % من الشعب، وهذه النسبة هي التي انبثقت منها الحركات المدنية، وتتطلع لتعزيز مشاركة الشباب في اختيار من يمثلهم كون مشاركتهم ستساهم في تغيير ملامح المعادلة السياسية، بعد أن كانت الانتخابات لجمهور الأحزاب التقليدية مع مقاطعة كبيرة من الشريحة الأكبر من الشعب العراقي".
والأسبوع الماضي، أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عدم المشاركة في الانتخابات "بوجود الفاسدين".
وذكر في بيان: "ليكن في علم الجميع، ما دام الفساد موجوداً، فلن أشارك في أي عملية انتخابية عرجاء، لا هم لها إلا المصالح الطائفية والحزبية، بعيدة كل البعد عن معاناة الشعب وعما يدور في المنطقة من كوارث، كان سببها الرئيس هو زج العراق وشعبه في محارق لا ناقة له بها ولا جمل".
الصدر كان قد انسحب من العملية السياسية في آب 2022، مع العلم أن التيار الصدري يُمثل أكثر من ثلث الجمهور الشيعي في العراق وفقاً لنتائج الانتخابات البرلمانية عام 2021، وذلك بعد أزمة سياسية خانقة أدخلت الصدريين بمواجهات مسلحة مع فصائل مسلحة مرتبطة بقوى "الإطار التنسيقي"، التي كانت ترفض مشروع الصدر بتشكيل حكومة عابرة للطوائف، ضمن مفهوم الأغلبية الانتخابية.
"انتخابات باطلة"
وحول ذلك، بيَّن عضو التيار الصدري حسين باقر، أن "الانتخابات التي لا تسمح للفائز بأن يحكم، وتسمح للخاسر بتشكيل الحكومة هي انتخابات باطلة، وهذا ما حدث مع التيار الصدري الفائز في انتخابات 2021، وقد اتحدت كل القوى السياسية لمنع التيار الصدري من تشكيل الحكومة، مع العلم أن الدستور العراقي يتحدث عن الحكم للفائز، بالتالي ما الفائدة في التعامل مع هذا النظام إذا كان يتعامل بانتقائية ودفع من إيران بطريقة إدارة الحكم".
وأضاف باقر، أن "مقاطعة الانتخابات ليست حالة صحيحة، لكن مع نظام فاسد فإن المقاطعة وترك العمل مع هذا النظام، قد يساهم في سقوط مشروعيته".
وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، الشهر الماضي، أن أكثر من 29 مليون عراقي يحق لهم التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة، المتوقع إجراؤها في نهاية العام الحالي.
وبحسب قانون الانتخابات، يجب إجراء الانتخابات التشريعية قبل 45 يوماً من انتهاء الدورة البرلمانية، ولهذا من المتوقع أن تجرى انتخابات مجلس النواب المقبلة في أواخر تشرين الثاني 2025، لكن لغاية الساعة لم يُحدَّد لها أي موعد من الحكومة العراقية ولا مفوضية الانتخابات المستقلة.
المصدر: العربي الجديد
أقرأ ايضاً
- العطش في العراق.. أزمة المياه تدفع السكان للهجرة الى كربلاء والنجف والبصرة
- تزويد العراق لبلدان عربية بالنفط.. غياب للجدوى أم مساعدة لـ"الأشقاء"؟
- التجارة الإلكترونية في العراق.. "ثغرات وبيروقراطية" تهدد الباعة الصغار