- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
باطنية الإعلام وتسلطية المُلّاك الجزء الثالث
حسن كاظم الفتال
المؤسسات الإعلامية التي تصدق عليها التسمية ويصدق عليها وصف مرموقة ورصينة ومتزنة من اجل إثبات هذه المصداقية يتحتم عليها أن تكون أكثر تمسكا بالمبادئ الأساسية أو الثوابت في سياقات العمل الإعلامي وأن تتعاطى مع هذه الثوابت والأسس بمهنية وحرفية وبجدية وموضوعية وبنسق دقيق. لا أن تكون منحازة غاية الإنحياز إلى جهة دون أخرى على حساب المصداقية والموضوعية وأن تناي بنفسهاعن الإزدواجية أو اللاوعي أو أن تكون كما يقال بوقا لجهة معينة وعليها مراعاة الذائقة للعقل الجمعي إلى جانب الحيادية.
ولا شك أن السعي في تحقيق هذا المبدأ لا يبرر للمؤسسة الإعلامية التحكم بعقل وفكر الإعلامي أو لا يعطيها الحق في أن تثقل كاهله بأوامرها وضوابطها وأن تتدخل تدخلا مباشرا بتحديد مساراته وخطواته والمسافات التي يتحرك فيها وتُضَيِّق عليه الأفق أو تحدد رقعة تحركه بوضع خارطة مرسومة بمزاجات وأهواء منشئي المؤسسة أو أصحابها أو مموليها أو تسعى لأن تجعل من الإعلامي أداة طيعة تسوقه الرغبات.
*هل الإعلام مهنة أم تعامل مهني *
لا يخفى على أحد أن في كثير من المناسبات أو الملتقيات نجد قسما من المتابعين أو المهتمين بالشأن الإعلامي وحرصا منهم على ديمومة هيبة الإعلام ورغبة منهم في الحفاظ على إبراقة سمعته كوسيلة حضارية للتعاطي مع المجتمعات وتبادل المعلومات ومواكبة العصرنة والتواصل من مجريات الحضارة وتتكرر الدعوات بالمطالبة للمبادرة إلى الحفاظ على جمالية ونصاعة صورته المرسومة في الأذهان والإبقاء على فاعليته المعهودة في نشر الوعي والثقافة ودوره الكبير في التغيير ومحاربة الانحراف
ويبدي هؤلاء المختصون أسفهم وامتعاضهم في أحاديثهم حين يصرحون بأن معظم المؤسسات التي توسم نفسها بتسمية (مؤسسة إعلامية) وبالأخص الدينية أطلقت العنان للمزاجات والأهواء والنزوات والفوضى وابتليت بوباء أعدمها المهنية والحرفية وسلبها الحكمة وجعل الفوضى تتحكم في قراراتها وتحدد صيغ التعاطي مع من ينتمي لها بما تقترب كثيرا من صيغة (رئيس ومرؤوس) أو (موظف ومسؤول) والأدهى (عامل ورب عمل) والأَمَر (مالك ومملوك) مما أدى إلى أن تعاني مبادئ الإعلام في هذه المؤسسات حالة احتضار بل بعضها اختطفها الموت عمليا وباتت تعيش هياكل بعناوين براقة ما أن يقترب الرائي من هذه العناوين حتى يكتشف بأنها سراب خادع مفرغة من أي محتوى.
وغالبا ما يبدي هؤلاء المختصون امتعاضهم أو عدم الرضا على السبل المتبعة في ترشيح أو انتخاب بعض رؤساء أو مسؤولي بعض المؤسسات الإعلامية ويلمحوا أنه ليس غريبا أن يخضع ترشيح أو اختيار مسؤول المؤسسة إلى توافقيات أو ينسل من عقد صفقات متبادلة فضلا عن تطبيق قانون المحسوبية والمنسوبية والولائية البغيضة ومفاضلة الأقرب إلى الملاك الكبار على الأبعد منهم من أولئك الذين يقدمون فروض الطاعة بكل عمى وهم مقمحوا رؤوسهم طاعة للأسياد ومشرئبة أعناقهم نحو من يتصورونهم كبارا أو قمما شاهقة وهم بالحقيقة ليسوا كبارا بل صغر حجم الناظرين إليهم من الأقزام المنبهرين هو الذي يخلق هذا التصور ويجعل منهم كبارا.
وهؤلاء المختصون يرون أن هذه الصورة أطلقت العنان لهؤلاء الأشخاص ليتحولوا إلى أمراء تخولهم غفلة أصحاب الحق أن يعبثوا ويشوهوا كل صفاء للصورة الإعلامية الناصعة المظهر ويخشون أن تتحول هذه المؤسسات إلى أشبه بدوائر خدمية يترأسونها ويديرونها بصلاحيات مُلّاك أصلاء وهم يعانون من ترهل وتكلس أو تحجر فكري وثقافي هَرِم.
يتعذر عليهم انتقاء أو استخدام الآليات والأدوات التي يمكن أن يديروا بها مؤسساتهم.
وكذلك يحذر المختصون من أن عملية الترشيح أو الاختيار الخاطئ أو العشوائي لمسؤولي المؤسسات الإعلامية ربما ينشأ في نفوسهم غرورا وتجبرا وطغيانا فتسول لهم أنفسهم إصدار أوامر قسرية تعسفية يستهلونها بعملية تغيير مواقع العمل لأصحاب الكفاءات إما جهلا وإما للتخلص من أصحاب الخبرة والكفاءة والممارسين خشية من أن يكتشفوا أخطاءهم ويشخصوا مثالبهم وهذا التغيير يتم أحيانا بنوايا سيئة مبيتة تنأى كل النأي عن أي من الاعتبارات أو المعايير الفنية أو المهنية والحرفية
ويطالب معظم المختصون وبإلحاح أن يعتمد الإعلام والإعلاميون معايير وضوابط يحددها شرف المهنة وأن لا تكون صيغ الأوامر مخالفة تماما لمقاصد تغليب مصلحة العمل وتميل ميلا شديدا للمصالح الشخصية وتحقيق المآرب. وأن لا يكون التعامل مع الإفراد مساوقا للتعامل مع بيادق شطرنجية تحركها أصابع هرمة ناحلة بإيعاز من عقول نشفها العُجُب والعجرفة وبرفد وتحفيز من صيغ التأليه التي اعتاد عليها البعض. فهذا التطبيق ربما يسوق المؤسسات إلى مجاهل معتمة.
وثمة تحذيرات شديدة من أن تتحول المؤسسات الإعلامية إلى ما يشبه دوائر خدمية تدار بعقلية مدير يدير أشخاصا وليس أعمالا
فليس من مصلحة لا المؤسسة الإعلامية المرموقة المتزنة ولا الإعلام الناضج الصادق أن يتم إقصاء وتهميش أصحاب الإختصاص والكفاءات خصوصا من أولئك الذين يمتلكون تأريخا حافلا بكفاءة وثقافة وعلمية لا يمتلكها هؤلاء الرؤساء.
حين يتم ذلك يرغم الإعلام على أن ينسلخ من حقيقة التسمية أو جوهرها.
وثمة من سعى لتحقيق هذا الإنسلاخ وحققه بقصد أو بغير قصد بعلم أو دون علم بل أحدث خدوشا في صورة الواقع الإعلامي.
والساعون لهذا الإنسلاخ ومن أجل أن يخدعوا نفسهم أو يخدعوا بعض البؤساء وليبرروا أخطاءهم لجأوا لرفع شعارات ووضع عناوين لخيبتهم فراحوا يفسرون مسألة إقصاء أصحاب الخبرة والكفاءة وتهميشهم وإبعادهم بأنها مبادرة لتطوير ورفد المؤسسة الإعلامية بدماء جديدة فاعلة.
ناسين أو متناسين بأنهم أول من يستحق التغيير بما هو جديد لأنهم أقحموا المؤسسة بعناصر غير كفوءة تحتاج إلى خبرة طويلة.فيركنون في الزوايا المعتمة أصحاب الخبرة والممارسة والأعمار الكبيرة ويستبدلونهم بأناس هم اقل عمرا من أبنائهم وربما أحفادهم دون أن يضعوا بالحسبان أهمية وفاعلية الخبرة والكفاءة والممارسة.
ويبدو أن مثل هذه الممارسات دعت أو أجبرت أصحاب الطاقات والكفاءات إلى الإنسحاب من الساحة الإعلامية لتصفو خالية إلا من المُلّاك ليصولوا ويجولوا فيها هم وأتباعهم من المخدوعين أو المغرر بهم.
وبدلا من يسعى الوسط الإعلامي لصنع إعلام واعٍ ناضج هادف جاد صار يسعى لصنع أعلام تتخذ من الغافلين والمتوهمين والمتزلفين سارية لها لترتفع فيشار إليها بما لا تستحق بدلا من أن يشار إلى جوهر الإعلام ووقاره ورصانته
حسن كاظم الفتال
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- البكاء على الحسين / الجزء الأخير