حجم النص
بقلم:عبدالزهرة الطالقاني ونحن نقترب من تأريخ الاحتفال السنوي بالصحافة العراقية لابد من وقفة لنقد الذات، فليس صحيحاً أن نسمي أنفسنا بأننا مهنة المتاعب وإننا السلطة الرابعة فحسب.. فهذه السلطة قد تكون غاشمة أحياناً حتى على من يمثلونها أو هم جزء منها. فكل السلطات غاشمة لأنها سلطت على رقاب الآخرين بسلاح ما.. لا فرق بين السيف والمدفع والبندقية والقلم.. فبين هذه الاسرة الكبيرة التي بدأت تتسع شيئاً فشيئاً حتى دخلها العاطلون عن العمل والمتقولون والبقالون والنجارون والحدادون، هذا اذا غضضنا الطرف عن الأطباء والمهندسين والمحامين والقضاة والحاكمين.. وحتى القصابين دخلوا هذه المهنة بشكل او آخر.. فليس أسهل في وقت الأنفتاح والديمقراطية أن تؤجر بيتاً او دكانا، وتشتري حاسبة وتشغل موظفاً حتى تصدر صحيفة.. أما العنوان فليس ضرورياً.. اختر أي شيء، فهي سواسي ولا تدل على شيء، سوى انك تضع اصبعك على زناد الكلمة.. تطلقها متى تشاء وباتجاه من تشاء وبغير حساب.. فتستخدم بحنكتك وبهلوانيتك وشيطانيتك سلاحاً مدمراً للتسقيط والتشهير والتشويش.. والنتائج واضحة مزيداً من الضرر للآخرين. عندما تصبح الصحافة مهنة مؤذية فهذه قمة الرذيلة التي يمكن أن تصل إليها مهنة من المهن.. فالعالم نوبل عندما اكتشف الديناميت، انما اكتشف مادة جديدة أكثر قوة وأكثر فاعلية لمواجهة صعوبات الحياة، بحيث أصبح أكثر يسراً أن تفتح نفقاً في جبل لتصل المدن والدول مع بعضها.. ولم يكن هذا الأمر سهلاً خاصة وان الجبال تقف حائلاً أمام التواصل.. إلا ان اصحاب المهنة واصحاب العقول السوداء استخدموا هذه المادة للتدمير وقتل البشر.. و "السم" بعضه دواء إلا ان اصحاب المهن من العطارين والطارئين عليها، والحكام واذناب السلطات ومستشاريهم استخدموا هذه المادة الفعالة للاغتيال السياسي على مدى التأريخ. سم الصحافة هي تلك المادة القاتلة التي تُبث في زاد الكلمة فتصيب قارئها ومن استهدف بها، بالموت الزؤام. ولأن صحافتنا توسعت واتسعت واصبحت شاسعة وممتدة، وطويلة اللسان ودخلها "المتجاوزون" وهؤلاء موجودون في كل زمان ومكان يستولون على ما ليس لهم ويتملكونه ويستخدمونه تجاوزاً، فيسيئون للقانون والعرف العام والنسق والنظام، والحداثة والمعاصرة والحضارة والدين.. فيغدو عملهم نوعاً من الابتزاز والشتيمة والتشهير.. قد تفقد الصحافة طعمها ولونها وشكلها، حتى تغدو لا طعم ولا لون ولا شكل لها.. فتضيع هويتها، سوى الهوية التي تمنحها نقابات الصحفيين والاتحادات والجمعيات الطارئة على الصحافة، التي دخلت إلى هذا العالم مثلما دخلها الطارئون.. الهويات تباع وتشترى أحد تلاميذ المرحلة الأولى اعلام في احدى الكليات المتخصصة اشترى هوية ب (40) ألف دينار وهذا المبلغ متحرك وليس ثابتاً.. لذلك نتوقع انتشار هويات الصحفيين والاعلاميين لتصبح في متناول الزبالين والكناسين والحمالين وبائعي الغاز والشعر بنات، مع احترامنا لجميع المهن.. فهي وسائل مختلفة لكسب الرزق الحلال.. وكذلك نجدها في الاسواق التي تروج فيها الوثائق المزورة. وعندما تفقد أية مهنة اخلاقياتها فأنها تصبح "ساقطة" وهذه الصفة الذميمة قد تطال الاطباء والصحفيين والشعراء والمحامين والسياسيين والتجار والصناع ورجال الدين.. وبذلك فأن من يسيىء إلى المهنة، إنما يرتكب جرماً وذنباً كبيرين، بل أنه يرتكب أحدى الكبائر.. لأنه ساهم في تهديم القيم والبنى التحتية للاخلاق، وخرج بالمألوف إلى غيره، وبالصحيح إلى الخطأ وبالحقيقة إلى ما يجانبها. كثيرون يسيئون إلى الصحافة والناس ويشهرون أقلامهم بوجه الساسة، والعاملين في الخدمة العامة، دون ان يتوخوا الدقة والمهنية والاخلاق فيصيبون منهم مقتلاً، ثم يدّعون انهم انما يمارسون حرية التعبير وينتمون إلى مهنة فيها أخلاق.. متناسين قول الشاعر: (وانما الأمم الأخلاق ما بقيت فان همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا).