بقلم: القاضي إياد محسن ضمد
كلما تطوّرت وسائل التكنولوجيا التي يستخدمها الأفراد، زاد ميلهم للاختزال والاختصار لاسيما في التعبير عن آرائهم ومشاعرهم وأحاسيسهم، فمن كتابة الجمل المطولة، إلى العبارات المختصرة وصولا الى استخدام الرموز التعبيرية (الايموجي) حتى راح بعض الكتاب يعتبر ما يحدث رجوع البشرية للعصور القديمة حينما كان الإنسان يستخدم الصور والإشارات والرموز للتعبير عن إرادته.
الشركات المصنعة لأجهزة التواصل الشبكي وبرامجها راحت توفر المزيد من الرموز والملصقات للمستخدمين، وهنا تحولت أغلب ردود المتواصلين، من الجمل التعبيرية إلى ردود الرموز التعبيرية، فحين تريد التعبير عن نوبة ضحك لتلقيك نكتة يمكن أن ترسل الايموجي ذا الوجه الضاحك، وحين ترد إليك رسالة بخبر سيئ يمكن أن ترسل الايموجي بالوجه الحزين، وحين يؤدي إليك أحد الأفراد عملا يمكن أن تبعث له كفين متلاصقين بأصابع ممدودة للتعبير عن الشكر والامتنان... وهكذا، فكل إحساس وكل ردة فعل يقتضيها التواصل تجد أن الشركات وفرت رموزا يمثل كل منها إحساسا أو مزاجا أو محتوى تعبيريا محددا، حتى راحت بعض الرموز تعبر عن الإيجاب والقبول عند إبرام بعض العقود في الجانب المدني وتعبر عن ارادة المتعاملين والمتعاقدين في التعاملات الحياتية المختلفة.
وعطفا على ذلك زادت الآثار المترتبة على التعبير من خلال تلك الرموز في الحياة الواقعية وانعكست على القضايا المدنية والجزائية التي تنظرها المحاكم، فالرموز التعبيرية يمكن ان تستخدم لارتكاب الجرائم من خلال خرق القوانين والإساءة للأفراد (فايموجي المسدس) يمكن استخدامه للتهديد و(ايموجي الوجه المقترن بقلب احمر) يمكن استخدامه للتحرش، والضاحك بسخرية يمكن ان يعبر عن الاستهزاء والاهانة، وإزاء ذلك تظهر صعوبة إثبات النية الحقيقية لمن يستخدم الرمز التعبيري سواء أكانت جادة وانه يعي المعنى التعبيري الذي يحمله الرمز، أم أن النية غير جادة وان المستخدم لا يفهم ولا يعي ما يحمله الرمز من معان.
في فرنسا حكمت إحدى المحاكم بالحبس لمدة ثلاثة أشهر على احد الشباب كونه أرسل إلى خطيبته السابقة رسالة معززة (بايموجي) لمسدس، حيث اعتبرته المحكمة تهديدا واضحا في ظل سياق العلاقة والخلافات التي حصلت بينهما، وفي كندا حكمت إحدى المحاكم على مزارع بدفع تعويض مبلغ يعادل (61) الف دولار أمريكي لصالح إحدى الجمعيات إذ اتفق الطرفان على عقد شراء الكتان وتم ارسال العقد موقعا من الجمعية الى المزارع في احد برامج التواصل فرد عليه المزارع (بايموجي) الإبهام المرفوع إلى الأعلى، المحكمة اعتبرت الايموجي موافقة، والمزارع دفع بان (الايموجي) كان تأكيد لاستلام نسخة العقد وليس موافقة على بنوده.
المواد 215 و403 من قانون العقوبات العراقي بينت إمكانية ارتكاب الجريمة من خلال رموز وصور، والقوانين كتبت لتكون قادرة على استيعاب تطورات الواقع وما يشهده من حداثة، المحاكم كذلك ملزمة بأن تواجه تطورات الواقع العملي حين نظرها للقضايا وان تصدر الأحكام القضائية بما يواكب التطور التكنولوجي والشبكي وان تكيف أوضاعها وفقا للتقدم العلمي والتكنولوجي على مستوى نظر الوقائع وإثباتها والوصول إلى النوايا الحقيقية تمهيدا لإصدار الأحكام المناسبة.
أقرأ ايضاً
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء
- أهمية التحقيق المالي الموازي في الجرائم المالية
- جرائم الإضرار بالطرق العامة