حجم النص
بقلم:محمد الشذر جنات عدن، اسم يطلق على اهوار جنوب العراق في عهد السومريين، والاهوار هي مناطق شاسعة تغمرها المياه، وسميت بهذا الاسم لأنها تسحر بجمال طبيعتها، وروعة مناخها، وأهمية الثروة التي تحتوي عليها. يقف زائر هذه المنطقة على إطلالتها، فتزهوا عيناه، بما يرى من روعة اللوحة التي أتقنها الخالق، فيقف مذهولا من تكسر أشعة الشمس على نبات القصب والبردي، وسيمفونية الطيور التي تعزف ألحانها على الحان الحياوي، والمحمداوي، والملاحي، وغيرها من الأطوار، التي تتشكل من أهازيج ساكني هذه المنطقة، ثم تعلوا محلقةً لترسم بطيرانها أبهى الصور لاختلاف ألوانها وأنواعها، معانقةً نسيم هواء الجنوب. لم يقف الأمر على المنظر الخلاب بل راح ينعكس على ساكنيها، فتراهم يحملون الأخلاق الحميدة، والكرم الجزيل، وشجاعة المقدام، فتحل عليهم ضيفا فينقلبوا هم إلى ضيوف، وغيرها من سمات شخصيات الأصالة والجود التي تجذرت فيهم. أن لكل جميل حساد يكرهوه، ولكل ناجح هناك من يسعى لإفشاله، وبدل ان تستثمر هذه الثروة والروعة لتكون سياحةً، وارثاً، وثروة طائلة، ومحصول نادر. حلت عليها لعنت الانتقام، ولاحت بوادرها على يد النظام البائد، فراح مجففاً اهوارها، حارقا محاصيلها، مشردا أبنائها، لا لشيء سوى الخوف، من إحدى سمات هذه المناطق، ألا وهي الشجاعة والكرامة، خوفا من هلاكه على أيديها. ثم تبدل الحكم في العراق، واستمرت عجاف يوسف على اهوارنا، فتجرعت كأس الصبر بمرارة، وقاست السنون بسيف المنون، فلم تنقضي شدادها، وعادت الأوبئة والأمراض لتعمر فيها، وبدل ان ينتج الحليب من جواميسها، راح ينتج الدماء من فيروساتها، وبدل النزول لمياهها، راح يحفر ترابها. تشققات أراضيها كأنها صرخة من بواطن صمتها، تخبرنا بأن الاحتضار قريب، وشمس الأمل تكاد تغيب، ولم يقف الأمر هنا حتى خرج نوع آخر من الآفات، اسماك كبيرة تقتات على الأسماك الصغيرة، مختارةً أفضل أنواعها!، لتقضي بذلك على ما تبقى منها يعاصر الم الرحيل، على مقصلة الاندثار. تحجرت محاجرها وهي تستغيث، وتأمل من حكومتنا رداً شريف!، ليوقد النور فيها مرة أخرى، وتطالب المجتمعات الإنسانية بمكافحة الجفاف، والحفاظ على الثروة الحيوانية دون غياب وانصراف، ولكن من تستغيث به!!، يعمل لجعلها أوبئة للدمار، وأراض قاحلة قفار. صوتنا وصوتها يمتزج، ليطلب من الجلاد أن ينتبه، فرمز الجمال يغيب، وعليه العمل، فثرواتها لا تقدر بثمن، وساكنيها كثر، وان ضاع أولاها فأخراها ضياع ودمار، ويجب الإسراع للإنقاذ. أزيل النظام البائد كإزالة الكبوة من الحصان، وظن الجنوب أن سمائه ستلبد بأمل الخيرات، فراح يملؤها الدخان، ولازالت تعاني الم الحرمان، فأي زمان وأي مكان واهوارنا تقبع في الأحزان، من الاهوار قد جاءنا الخبرُ بأن سمائها، اضحت بلا مطرُ، ُ فالجفاف قد أودى بثروتها وإنسانها بصمت راح يحتضرُ.
أقرأ ايضاً
- هل عدنا لهاوية الخطر بعد ان كنا على حافة اعلان النصر ؟
- عدنان حمد وعار تصفيات كاس العالم
- قراءة في كتاب عشيرة العوينات التميمية العدنانية