قبل التغيير النيساني الجذري وفي عهود الديكتاتورية المقيتة لم يكن هنالك إعلام أو مؤسسات إعلامية بالمعنى المهني الحقيقي وبالنتيجة لم تكن هنالك سلطة رابعة بمعناها الوظيفي الحقيقي (المقصود بالسلطة الرابعة fourth Estate وسائل الإعلام عموماً والصحافة بشكل خاص وهي سلطة اعتبارية) ..لان السلطة الرابعة وبحكم دورها المهم في تعميم الثقافة العامة والتوعية وتشكيل وتوجيه الرأي العام ومراقبة الأداء الحكومي بكافة مؤسساته التي تقوم عليها مرتكزات الدولة والمجتمع السياسي فإنها وبهذا التوصيف والتوظيف ليس لها أي تأثير لكون بقية السلطات في ظل الديكتاتورية الشمولية لم تكن متمتعة بالتوصيف المؤسساتي المعياري المعتمد في تفسير ماهية ووظائفية ودور وفعالية أية سلطة تنفيذية كانت أم تشريعية أو قضائية وذلك لتداخل السلطات فيما بينها واحتكار القوة الشمولية المهيمنة عليها وهلامية أدائها المجير كليا في خدمة الآليات السلطوية القمعية .
وبهذا تشترك جميع السلطات من ضمنها السلطة الرابعة في فضاء واحد من الانسحاق والاستلاب تكون فيه السلطة الرابعة اشد انسحاقا واستلابا وهلامية وذلك لعدم توافر الحريات العامة والأساسية في العراق وضمن سياقات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهي وثيقة حقوق دولية تمثل الإعلان الذي تبنته الأمم المتحدة سنة 1948 ووفق المعايير الدينية والأخلاقية والعرفية والإنسانية العامة وعليه لا يمكن أن تتوفر حرية للتعبير عن الرأي في الوسائل الإعلامية التي تترجم توجهات الرأي العام وإرهاصات الشارع العراقي والفعاليات السياسية والمجتمعية والثقافية وغيرها.
إن ما ينطبق على السلطات الثلاث ينطبق حتما على السلطة الرابعة إذ متى ما وجدت سلطات وفق المعايير الحكوماتية وداخل إطار دولتي يقوم على أسس الديمقراطية والليبرالية وانتخابات نزيهة وشفافة وتداول سلطوي سلمي وأداء حكومي نزيه و شفاف وفعال وعدم احتكار السلطة من أية فئة حزبية أو سياسية أو مذهبية أو قومية ومتى ما انفصلت تلك السلطات بعضها عن البعض الآخر انفصالا مهنيا، فان جميع التوصيفات والآليات تنطبق على السلطة الرابعة بحكم الترابط الوظيفي بين الجميع.
وبالنسبة للعملية السياسية التي قامت على التحاصص والتقاسم والتنازع بين الفرقاء السياسيين وفي ظل ضبابية الفعاليات السياسية \"التحاصصية\" وضمور دور الدولة ؛ سلطات ومؤسسات ومراكز وقواعد ومرتكزات ، والتداعيات الأمنية المستمرة والمتكررة وعدم تفعيل القوانين والضوابط المنظمة للعمل الإعلامي والصحفي كل ذلك ألقى ظلالا من التخبط والعشوائية على مهام وادوار ووظائف السلطة الرابعة ناهيك عن عدم دخول الدولة كلاعب فاعل (تنفيذي وتشريعي وامني واستثماري..) في تشريع وتنظيم وحماية وضبط جميع الفعاليات الإعلامية بكافة مستوياتها وأنماطها من خلال الوظائفية التفاعلية والتشاركية الضمنية داخل الأنساق الحكومية من جهة وبين السلطة الرابعة من جهة أخرى باعتبار إن السلطات والمؤسسات تكمل وتساند وتردف بعضها بعضا وهي بمجموعها تشكل حلقات متكاملة من النجاح أو الإخفاق فلا توجد سلطة رابعة بدون وجود سلطات حقيقية غير وهمية أو مستلبة أو صورية أو ديكتاتورية أو متشابكة أو غير فاعلة على ارض الواقع وتمارس مهماتها بشكل واضح لا لبس فيه وكما لا ينهض الأداء الحكومي بدون وجود مقومات للدولة ووجود منظومة مرتكزات للسلطات التي تختص كل منها بوظيفة ودور فان هذا الأداء لا ينهض أيضا بدون مشاركة السلطة الرابعة الرادفة لبقية السلطات وهذه بدورها لا تنهض بدون طبقة انتلجنسيا فاعلة وكفوءة ووسائل إعلام متطورة وحرية منضبطة في التعبير عن الرأي وفضاء مجتمعي واع ٍ ..
المطلوب إيجاد سلطة عراقية رابعة حقيقية تنهض بالواقع الإعلامي وتتشارك مع بقية السلطات في تأسيس مناخ عراقي يتواءم والمرحلة الفاصلة التي يعيشها العراق.
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]
أقرأ ايضاً
- التعدد السكاني أزمة السياسة العراقية القادمة
- فزعة عراقية مشرّفة
- سلطة المشرع في إصدار النص القانوني المقضي بعدم دستوريته مجدداً