- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أتباع أهل البيت بين رصانة التفكير وهشاشة التكفير
عندما يحتدم النقاش بين الحق والباطل وعندما يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وعندما تدحض أدلة الحق تخرصات الباطل وعندما الباطل لا يتحرى جوابا عند استحقاقات الأمة التي تتطلع نحو الحرية والتقدم وعندما تكون الأنظمة المستبدة المنغمسة بملذاتها غير قادرة على وقف المد الجماهيري في الإنعتاق والتحرر من كيد الجبابرة والمتغطرسين والشوفينيين وعندما يكون الحكام الجبابرة صفرا في قاعدة بيانات المشاركة والتعددية وإبداء الرأي وحرية المعتقد والمبدأ من دون مواربة أو إكراه أو إجبار، عندما يكون كل ذلك فإن حكام الجور والباطل يغرزون أصابعهم في أوساط الأمة الناهضة محاولة منهم من تفتيد العضد وفرط العقد وخلط الأوراق والتصيد بالماء العكر، ظنا منهم يستطيعون القضاء على أصوات الإصلاح وتسخير ما حباهم الله تعالى من خيرات وبدلا من صرفها على التنمية والازدهار لشعوبهم تسخيرها لحياكة المؤامرات ضد إرادة الشعوب للحفاظ على كراسي حكمهم وإبقاء شعوبهم في حالة الذعر والاستكانة والقهر.
يظهر إن عدم منازلة أتباع أهل البيت بالأدلة والبراهين الساطعة من قبل بقية المذاهب الإسلامية ولاسيما المذهب الوهابي الذي يتخذ من التكفير وإلغاء الآخر منهجا في ممارساته وخطاباته وبالتالي انتهاجه أسلوب العنف والإرهاب لفرض رأيه وما يسببه من تداعيات خطيرة في زهق أرواح الأبرياء وتدمير ممتلكاتهم وتفتيت البنيان الاجتماعي الذي يتصدع أيما تصدع في أجواء الإرهاب والإقصاء والظلم، فإن مرد كل ذلك هو أن الفكر التكفيري بات عاجزا من منازلة فكر أهل البيت عليهم السلام، وبات يؤرقهم كثيرا نفوذ المسلمين الشيعة ومدّهم المعنوي والروحي والأيدلوجي في العالم الإسلامي الذي كان ولم يزل منطلقا من حيثية إن علماء الشيعة ومفكريهم وكذا مثقفيهم ، وبالعموم مدرسة التشيّع الإسلامي قد نجحت وبالفعل من تحصين وتخريج طوابير كاملة من أتباع أهل البيت وهم يحملون فكرا جدليا مع الآخر الإسلامي المختلف عنهم والآخر الإنساني المتباين عن فكرهم ولكن في إطار الأخوة والنظارة استنادا إلى مقولة أمير المؤمنين: الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، بحيث انك تجد إن ابسط مسلما شيعيا في الحياة العامة يحمل في داخله حججا وتصورات وأفكارا إسلامية لا يمتلكها الآخر الإسلامي الذي يسمى عالما في المذاهب الإسلامية الأخرى، لذلك عمد المتغطرسون منهم ولاسيما الوهابيون التكفيريون من تبني سياسة الإبادة الجسدية والتطهير العرقي والقمع الفكري لكل من يخالفهم وبالأخص مذهب أهل البيت الذي يلاقي أتباعه في العراق ظلم التكفيريين لا لشيء سوى لتمسكهم بمبدئهم وقادتهم الذين لا يميلون عن سواء السبيل قيد أنملة، وما مواقف علماء أهل البيت في إذكاء روح الوحدة بين أبناء الشعب الواحد ونبذ التفرقة والعنجهية والتطرف إلا دليل بسيط على ذلك..
نعم لو أردنا أن ندرك عطاء مدرسة أهل البيت وعلى مدى عصور متلاحقة، فلا يمكننا أن نصل إلاّ إلى نتيجة مقنعة ومنطقية وعقلية واحدة وهي: إن هذه المدرسة الفكرية وهذا الإنسان الذي استمرّ في الحياة مع كل هذه الضغوطات والإبادات المتكررة لوجوده الإنساني والعقدي، وبشكل نامي ومتحرك وفعّال ومتكاثر وليس العكس، ومع فقده لجميع عناصر وعوامل القوّة المادية الداخلية والخارجية، لا ريب إنها مدرسة وانه إنسان يمتلك حقيقة فكرية تلهمه الحياة والبقاء فيها بقوّة على رغم كل حملات الإبادة التي استهدفته تكفيريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفنيا .... وغير ذلك الكثير الكثير !!!.
ولهذا السبب فقد أعطت تلك القوة الفكرية والجدلية التي يتمتع بها أتباع المذهب الحق وما عنده من حجج عقائدية وتاريخية متينة قادرة على إقناع المنصف من باقي المذاهب الإسلامية، وعندما وصل السلفي إلى طريق مسدود بينه وبين أتباع أهل البيت في محاججاته ومناظراته لجأ إلى العنف الجسدي بتفجير تجمعاتهم في المناطق الساخنة وتكفير معتقداتهم في ساحات النزال الحواري والعقائدي، وهذا هو ديدن المهزوم فعندما يسقط في يديه تراه يلجأ إلى التهريج والتهكم تغطية لما يعتوره من سقطات وما يحتوي على مطبات لا يمكن ردمها إلا بالتكفير والإسفاف، وهي طريقتهم المثلى في تعاطيهم مع باقي المذاهب وبالأخص من يتقاطع مع فكرهم الضال، لا يهمهم شيء من الحقيقة المضيعة عن كثير من المسلمين سوى منافعهم الشخصية وأهواءهم وهي نفسها أهواء الشيطان الذي يزين لهم سوء أعمالهم فهم في طغيانهم يعمهون.