- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بُني علي.. إحذر (أهل العرفان) أهل الدعاوى الباطلة - الجزء الاول
بقلم: نجاح بيعي
للأبناء حق على الآباء, ومن حقهم أن يعلم الآباء أنهم منهم ومضاف إليهم بالخير وبالشر في هذه الدنيا. وكما ورد عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال :(وأما حقّ ولدك فأن تعلم انّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وإنّك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه عزّ وجلّ، والمعونة على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه).
وسعيا ً لإحراز الخير ودفع الشر, وأملا ً بالثواب الجزيل, أرجو التوفيق من الله تعالى بإبداء النصيحة الى ولدي (علي) بأمور شتى لله فيها رضا ولولدي له فيها الخير والصلاح في معترك هذه الحياة. فإن (الدين النصيحة) كما ورد عن النبي الأكرم (ص وآله), و(من أكبر التوفيق الأخذ بالنصيحة) كما ورد عن الإمام علي (ع) وهذا ما أرجوه لولدي.
ولدي الغالي (علي).. ينشط في أوساط المجتمع بين الحين والآخر وخصوصا ً بين الشباب الغر الطموح, أشخاص يدعون العلم باطلاً ويلبسون زي الدين زوراً ويتكلمون عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بما تهوى أنفسهم جهلا ً وكذبا ً, وهؤلاء يتمظهرون بأساليب متعددة, وينفثون سمومهم عبر وسائل مختلفة منها المنبر الحسيني ووسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال لا الحصر, ويزعمون لأنفسهم مقامات القرب من الله تعالى, وأنهم أصحاب رسالة في المجتمع, ويتحركون فيه ضمن أطر وعناوين مختلفة كـ(العرفان) و(صفاء الباطن) و(المكاشفة) وغيرها ليخدعوا بها مَن ليس له حظ من العلم والتدين.
وهؤلاء موجودون في كل زمان وعبر أدوار التاريخ, وقد ابتليت بهم الأمة منذ صدر الإسلام الأول, وقد رصدهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وحذر الأمة منهم ومن شرورهم, كونهم رجال لا يُدينون بدين الله, وأنهم أولياء للشيطان, وأنهم رأس الفتن باتباعهم الهوى وبابتداعهم أحكاماً تُخالف القرآن الكريم والسنة الشريفة وقد قال في حقهم عليه السلام: (إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله ويتولى عليها رجال رجالاً على غير دين الله، فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين، ولو أن الحق خلص من لبس الباطل لانقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى).
بُني علي.. إعلم وقاك الله تعالى كل فتنة, ودفع عنك كل شر, وحصنك مما تخاف وتحذر, وأنجاك من حبائل دعاوى أهل الباطل والفتن والبدع, بأن المرجع الأعلى السيد (السيستاني) حفظه الله, قد أبان للأمة وخصوصا ً للشباب المؤمن (إن شاء الله تعالى) أمثالك, في جواب لإستفتاء قُدم من قبل جمع من طلاب وفضلاء الحوزات العلمية, علامات هؤلاء أهل (العرفان) أو أهل الدعاوى الباطلة, لأخذ الحيطة والحذر منهم, والإبتعاد عنهم بعد التعرف عليهم وعلى أساليبهم, ومن علائم أهل العرفان أو الدعاوي الباطلة كما أوردها (1):
1ـ مبالغتهم في تزكية أنفسهم علي خلاف ما أمر الله تعالى به
2ـ توجيه الآخرين الي الغلو فيهم
3ـ الإستغناء عن المناهج المعروفة لدي الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية ودعوى الوقوف عليها وعلى ملاكاتها من طريق الأمور الباطنية
4ـ التصدي للفتيا من غير استحصال الأهلية لها واستغلال المبتدئين في التعليم والتعلم
5ـ المُوالاة الخاصة لمن أذعن بهم
6ـ المُعاداة مع مَن لم يجر على طريقتهم
7ـ الوقيعة فيمن انسلخ منهم بعد الإيمان بهم
8ـ سلوك سبل غير متعارفة للإمتياز عن غيرهم من أهل العلم وعامة الناس
9ـ المبالغة في الإعتماد على المنامات وما يدّعون ترائيه لهم في الحالات المعنوية
10ـ التميز في اللبس والزيّ والمظهر عن الآخرين، تمسكاً في بعضه بأنه عمل مأثور من غير ملاحظة الجوانب الثانوية التي يقدّرها الفقهاء في مثل ذلك
11ـ الإبتداع في الدين والتوصية بالرياضات التي لم تعهد من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)
12ـ الإستناد فيما يدّعي استحبابه الي ما ورد في مصادر غير موثوقة تذرعاً بالتسامح في أدلة السنن
13ـ التأثر بأهل الملل والأديان الأخرى
14ـ التساهل في ما يعدّ ضرباً من الموسيقى والألحان الغنائية المحرمة
15ـ وجوه اختلاط الرجال بالنساء
16ـ الإعتماد على مصادر مالية غير معروفة وارتباطات غامضة مريبة
17ـ الى غير ذلك مما لا يخفي علي المؤمن الفطن
ـ وأوصيك (بُني) بما أوصى به المرجع الأعلى السيد (السيستاني) عامة المؤمنين, بعد الدعاء لهم بالتوفيق لمراضي الله تعالى بـ:
ـ التثبت وعدم الإسترسال في الإعتماد على مثل هذه الدعاوى, لأن هذا الأمر دين يُدان الله تعالى به, فمن اتبع إمام هدى حُشر خلفه وكان سبيله الي الجنة, ومن اتبع إمام ضلال حُشر معه يوم القيامة, وساقه الي النار
ـ وليتأمل الجميع في هذا حال مَن كانوا قبلهم, كيف وقع الكثير منهم في الضلال لاتّباع أمثال مَن ذُكر
وأخيرا ً وليس آخرا ً ألفت نظرك (يا ولدي) الى أن (الحق) لا يُعرف بالرجال وهيهات ذلك, وإنما الرجال يُعرفون بالحق: (إعرف الحق تعرف أهله). وإذا كان كذلك كنت وكانوا في حصن ومنجى ً من الوقوع في الفتنة والضلال لا سمح الله. وقد أوضح المرجع الأعلى السيد (السيستاني) للمؤمنين جميعا ً أعزهم الله, السبيل لإمتلاك أدوات ذاتية لمعرفة (الحق), وذلك بالعمل بـ(شقيّ) المعادلة التالية: (العناية بتزكية النفس وتهذيبها عن الخصال الرذيلة والصفات الذميمة ـ وتحليتها بمكارم الأخلاق ومحامد الصفات).
وما ذلك إلا بالإنابة الى ما يزخر به كتاب الله العزيز والسنة النبوية الشريفة, وتوطين النفس عليها من: (استذكار الموت, وفناء الدنيا, وعقبات الآخرة من البرزخ, والنشور, والحشر, والحساب, والعرض على الله تعالى, وتذكر أوصاف الجنة ونعيمها, وأهوال النار وجحيمها, وآثار الأعمال ونتائجها). وهذا ذاته ما أوصى به الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) وعمل به العلماء الربانيون جيلاً بعد جيل.
واعلم.. أن المرجع الأعلى السيد (السيستاني) قد حذر مِن معرفة (الحق بالرجال) لأن معرفة الحق بالرجال, وقوع في الفتنة وخروج عن سواء السبيل, ولا عذر لمن تخلف عن سلوك جادة الحق والصواب. وقد قال في هذا المورد: (وهذا طريق واضح لا لبس فيه، ولا عذر لمن تخلف عنه، وإنما يعرف حال المرء بمقدار تطابق سلوكه مع هذا النهج وعدمه، فإن الرجال يعرفون بالحق, ومن عرف الحق بالرجال وقع في الفتنة وضل عن سواء السبيل).
فالمدار هو الحق, ولا تُصيبه ولا تعرفه إلا بالعمل بكلا طرفي المعادلة الآنفة الذكر وأكرر ذكرها: (العناية بتزكية النفس وتهذيبها عن الخصال الرذيلة والصفات الذميمة, وتحليتها بمكارم الأخلاق ومحامد الصفات).
وأختم لك الكلام (بُني علي) بما ختم به السيد المرجع الأعلى حفظه الله كلامه بهذا الدعاء:
(نسأل الله تعالى أن يُجنّب الجميع البدع والأهواء, ويوفقنا للعمل بشرعه الحنيف, مقتدين بسيرة العلماء الربانيين, إنه ولي التوفيق).
ـــــــــــــ
(1)ـ إستفتاء حول العرفان / 28 ربيع الاول 1432هـ:
https://www.sistani.org/arabic/archive/257/
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول