بينما كانت القاعدة العامة في الصحافة العراقية أثناء فترة الاحتراب الطائفي تؤكد على إحلال الهوية الطائفية الخاصة محل الهوية الوطنية العامة وكان ما يذهب إلى العكس من ذلك يعد شذوذا عن القاعدة السائدة آنذاك لاسيما في الصحافة المجيرة حزبيا ، نستطيع القول الآن بان الحال على مستوى الإعلام ومنذ نهاية عام 2007 م اخذ يتجه وبدرجات عالية نحو وضع الهوية الوطنية مكان الهوية الفرعية إلى درجة أصبح فيها المسار الوطني يمثل هو القاعدة العامة وما يحيد عنه يندرج في خانة الاستثناء والشذوذ ، وبسبب هذا الاتجاه المتنامي من حيث القوة والتأثير والمتحرك بفعل ضغط الشارع العراقي فقد انتفت إلى حد كبير التصريحات السياسية النارية المتبادلة بين جناحي الصقور في الطائفتين السنية والشيعية , بل صار الرد على تصريحات من هذا النوع فاقد البريق والصلاحية يخرج في الغالب الأعم من اجهزة اعلام مقربة من ذات الطائفة التي ينتمي لها صاحب التصريح المستفز لمشاعر المواطنين الآخرين , الى ذلك فقد شهدت مواقف الساسة العراقيين توحدا غير مالوف من ناحية شد ازر سياسة البلاد الخارجية ، ومن هذه المقدمة نستطيع ان نتوصل الى نتيجة مفادها بان الخطاب السياسي العراقي توافق على مايبدو على تبني فلسفة حل الأمور الداخلية بعيدا عن منابر الإعلام مثلما توافق على الحديث بصوت إعلامي متناغم بخصوص القضايا العالقة بين العراق ودول العالم المختلفة لاسيما دول الجوار الجغرافي .
قد يقول البعض ان هذا الميل نحو النغمة الوطنية هو توجه مدفوع بمغازلة الراي العام العراقي الرافض للفئويات على اختلاف انواعها قُبيل موسم الانتخابات المقبل ، وطرح من هذا القبيل لا يمكن التشكيك بافتقاره إلى الحكمة أو الانتقاص من منطقية استدلالاته إلا انه لا يستطيع تفنيد أن ثمة نضجا سياسيا واضحا ضرب بأطنابه على مواقف اغلب الفرقاء السياسيين ما دعاهم إلى الاقتراب الحثيث من رغبات واتجاهات الراي العام العراقي وبالتالي الانصياع لجزء كبير من متطلباتها حتى تلك التي تتعارض مع صميم الأيدلوجيات الحزبية والفكرية للعديد من اؤلئك الفرقاء مع معرفة البعض مهم بكونهم مقبلين على دفع ضريبة باهظة التكاليف لقاء تنصلهم عن بعض قناعاتهم الذاتية وضربهم بعرض الحائط لاملاءات أو رغبات أطراف خارجية كانت وربما مازالت تمدهم بالمال والرجال .
يبقى لنا ان نقول بانه ليس كل المشتركين في العملية السياسية على نفس الدرجة من الحماسة في دعم الجهد الوطني باتجاه تجميع العراقيين على مائدة فكرية وطنية واحدة , فها هو رئيس وزراء سابق ورئيس كتلة برلمانية كبيرة هو السيد اياد علاوي مايزال يعاني من حالة ارتفاع ضغط الدم كلما دخل في اطار تقييم الوضع العراقي وسياسات الحكومة ، وفي اخر لقاء تلفزيوني انتجته احدى القنوات الامريكية قام علاوي بتحميل مسؤولية تدهور علاقات بلاده مع السعودية على اكتاف الحكومة العراقية وعلى راسها غريمه السياسي المالكي ضاربا بعرض الحائط آراء شريحة كبرى من مواطنيه بضمنهم اعضاء في داخل كتلته البرلمانية من الذين يشيدون بطول نفس هذا الرجل في ادارة سياسة كفيان شر السعودية .
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر