- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الاعلام العربي ودائرة المسكوت عنه
الفواجع والمواجع العراقية وما أكثرها ونزيف الدم العراقي المهدور بالمجان لم تخرج يوما ما عن دائرة المسكوت عنه إقليميا وعربيا حتى باتت \"الأحداث\" العراقية الكوارثية نسقا إعلاميا روتينيا (في أحسن أحواله) لترقيع وليس لرفد واغناء التغطيات الإخبارية لمستجدات الأحداث العالمية ومنها أحداث الشرق الأوسط الساخنة بشكل مزمن ، وتأتي في آخر سلم اهتمامات الصحافة بكل وسائلها ما يعكس الاهتمام الثانوي (إن وجد) رسميا وشعبيا بتلك الأحداث ومن باب لزوم ما لا يلزم والتناول الكلاسيكي المعتاد كأي خبر عابر ليس فيه من \"الإثارة\" الصحفية المثيرة للاهتمام او القلق او التفجع إلا ما ندر دون ان تهتز الضمائر او \"الشوارب\" لحمامات الدم العراقي الذي يسفح ويسفك بدم بارد او للأشلاء التي تتمزق فوق ترابه الذي انتهكت حرمته المفخخات والأحزمة الناسفة \"المصدرة \" من قبل البعض من الذين يصدق عليهم قول المتنبي / وسوى الروم خلف ظهرك روم/ تلك التي تعكر صفو صباحاتنا ومساءاتنا وتحيلها إلى كوابيس مغمسة بالبارود والدمار تتبعها أرقام مهولة من الضحايا الذين يدفعون باهظا ثمن الفتاوى الضالة والمنحرفة التي تبثها بعض القنوات الإعلامية العربية \"الشقيقة\" ومنها القنوات الفضائية، ويدفعون ثمن الضبابية المفتعلة والمشوشة وهلامية المواقف العربية تجاه ما يحدث في العراق وكأنها تحدث في كوكب آخر وليست في قلب الشرق الأوسط او عند تخوم الكثير من دوله المهمة ومنها دول الجوار العراقي..
طيلة السنين الست الماضية تم الإعلان عن الكثير عن عمليات إرهابية إجرامية توصف الكثير منها بالنوعية فضلا عن العمليات التي تحدث بشكل يومي وعلى مدار الساعة، تقوم بها عناصر القاعدة يساندها أيتام البعث البائد ومازال يروح ضحيتها الآلاف من الأبرياء بين شهداء وجرحى لا ذنب لهم سوى انتمائهم الى هذا البلد الجريح ..وكم من مرة تم الإعلان عن مدن وصفت بالمنكوبة ليس بعدد الضحايا الكبير وغير المعقول وإنما بمسحها من على وجه الأرض كونها مدنا بائسة ومهشمة أساسا ويعيش فيها أناس تحت مستوى الفقر وجدوا أنفسهم بعملية إرهابية واحدة بلا مأوى لهم فوق أنقاض بيوتهم وأشلاء شهدائهم ..
وفي المقابل نجد اغلب القنوات الإعلامية العربية في حال خرجت عن دائرة المسكوت عنه وقامت بالتغطية الإعلامية للأحداث العراقية فإنها وقبل كل شيء تتعاطى مع الإشارات السلبية التي لا يخلو منها أي مشهد سياسي في الشرق الاوسط او في العالم الثالث عموما وحتى العالم المتقدم وبطريق الانتقاء والتسقيط المؤدلج والمسيس للأخطاء والمثالب بغية \"تعرية\" التجربة العراقية الوليدة وتفريغها من أي محتوى ايجابي او تطور نحو الأحسن في مجمل العملية السياسية او في التنمية الاقتصادية والبشرية او إدارة شؤون الملف الأمني الذي شهد تحسنا كبيرا وواضحا بعد انزلاقات كارثية كادت ان تؤدي الى حرب أهلية طاحنة ، يرافقه نضوج ديناميكي مستمر في الحراك السياسي عبورا الى مرحلة استقرار الدولة الديمقراطية الحديثة ..
وتتناول تلك القنوات بإشادة تامة عمليات \"المقاومة\" والمليشيات والخارجين عن القانون مسوقة كل ذلك الى الرأي العام العربي على انه جهاد ومقاومة ضد المحتل و\"أذنابه\" في وقت تمر مرور \"الكرام \" في محمل تغطياتها الإخبارية للمآسي التي ترتكب ضد الشعب العراقي مع الإيحاء المقصود والمفبرك بعدم قدرة القوات الأمنية على ضبط الأمور وإدارة الملف الأمني الذي يعد في الأساس من أكثر الملفات الأمنية تعقيدا وخطورة ،في حين ان أحداثا لا نحب ان نقول عنها إنها أحداث تافهة او لا قيمة خبرية لها إزاء الفواجع العراقية الدامية التي تنغلق دائرة المسكوت عنه وتضيق لتنفتح وتتوسع لتشمل كافة أنحاء العالم وبتغطية إعلامية شاملة ومتكاملة كالاخبار الرئيسية والثانوية وعلى مستويات السياسة والاقتصاد والأمن وغيرها وحتى اخبار الفن والطرائف والعجائب وآخر صيحات الموضة ، اما سقوط عشرات الشهداء (القتلى من وجهة نظر الإعلام العربي) والجرحى من النساء والأطفال في انفجار واحد في سوق \"مريدي\" الشعبي البائس في مدينة الصدر مثلا والذي لا يرتاده سوى الفقراء فهذا خبر إن يذكر فيذكر إجمالا وعلى سبيل الإشارة الى حدث امني وليس تفصيليا وبالتحليل والأهمية البالغة ان لم تكن القصوى والى كارثة امنية وإنسانية مروعة وعلى مستوى العالم اجمع وقد نجد ان هذا الخبر قد يقدم عليه خبر \"امني\" اخر عن مظاهرة جرت في إيران ـ على سبيل المثال ـ اسفرت عن سقوط عدد من الجرحى او سقوط عدد من القتلى في فيضان في الصين وما شابه ذلك !!
وقد يتساوى خبر إعلان مدينة تازة مدينة منكوبة مع خبر سقوط احدى ضحايا مرض أنفلونزا الخنازير في صورة خبر \"عاجل\" وتعطى له مساحة خبرية وقيمة اعلامية اكبر بكثير من من أي حدث عراقي وبانتقائية شيزوفرينية لم تعد تقنع احدا ..
اعلامي وكاتب [email protected]
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- دور الاعلام القضائي في تحقيق الأمن القانوني
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود