- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كيف ستتأثر منطقة الشرق الاوسط بعد الانتخابات الرئاسية في ايران؟
حجم النص
بقلم عباس الصباغ
توطئة :
اختزل المرشد الاعلى لإيران الامام الخامنئي قضية الرحيل المفجع للرئيس رئيسي رحمه الله وثلة مرافقة له من ضمنهم عبد اللهيان ، تلك الفاجعة بان ايران دولة مؤسسات وتم احتساب لكل المفاجئات غير السارة لها ولطالما مرت البلاد بمفاجئات من هذا النوع لذا لاخوف على ايران من تداعيات خسارة موجعة ومن العيار الثقيل ورغم التأكيدات الرسمية وغيرها على ان حادث سقوط مروحية رئيسي حدث عارض فني (قضاء وقدر ) بعيدا عن نظرية المؤامرة التي يحلو للبعض ان يفسر الامور بها وعلى مزاجه ، لذلك لم تجد ايران ، إثر فاجعة المروحية الرئاسية، صعوبة في انتهاج الآليات الدستورية الضامنة لاستمرارية مؤسساتها والتزام الاستحقاقات الدستورية، بدءاً بمنح الصلاحيات الكاملة للنائب الأول لرئيس الجمهورية (محمد مُخبر) وتنصيبه رئيساً للجمهورية بالوكالة لفترة دستورية محدّدة، مروراً بتشكيل اللجنة الثلاثية التي يرأسها رئيس الجمهورية بالوكالة ويتمثل فيها كلٌ من رئيس مجلس الشوری (البرلمان) ورئيس مجلس القضاء الأعلی ، علی أن تكون مهمة هذه اللجنة الإشراف علی اجراء الانتخابات الرئاسية في المهلة الدستورية التي اشترط الدستور ألاّ تزيد عن 50 يوماً، ، وتنص المادة الـ131 من دستور الجمهورية الإيرانية على أنه في حالة وفاة رئيس الجمهورية، أو عزله، أو استقالته، أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين، أو في حالة انتهاء فترة رئاسة الجمهورية وعدم انتخاب رئيس جديد، يتولى المعاون الأول للرئيس أداء وظائف رئيس الجمهورية، ويتمتع بصلاحياته بموافقة المرشد الأعلى. لكن ايران بوضعها الجيبولوتيكي المهم وحجمها الجغرافي الكبير وفي قلب الشرق الاوسط والديموغرافي لها تأثير جيوسياسي هائل على المنطقة بشكل عام بدليل مسار المصالحة التي اجريت مع جارتها الكبيرة السعودية وتحت اشراف الفاعل العملاق وهو الصين الشريك الاستراتيجي المشترك بينهما وهو المستفيد الاكبر منها ، ومآلات تلك المصالحة على الوضع العام للمنطقة (ومنها العراق) فقد خفّت حدة التوتر "المزمن" فيها وهو توتر ذو طوابع سياسية / طائفية / اقتصادية وقد لمست دول المنطقة ايجابيات مخارج تلك المصالحة كالتقارب بين ايران ودول الخليج التي توترت العلاقات بينها وبين ايران بعد اندلاع الثورة الاسلامية فيها بقيادة الامام الخميني شباط / 1979 . المرحوم رئيسي الذي كان محافظا متشددا بل اقرب للاعتدال والى نهج مؤسسي الجمهورية الاسلامية (الامام الخميني ومن سار على منواله) ، كما كان مقربا جدا من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، كان يجمع بين التشدد والبراغماتية في نفس الوقت وهذا الاعتدال جنّب ايران الكثير من المطبات الجيوسياسية مع دول الاقليم ومع التقلبات السياسية الحادة لاسيما مع الولايات المتحدة خاصة تعنتها في استمرار فرض العقوبات الاقتصادية الموجعة على ايران على خلفية تمسك ايران ببرنامجها النووي والذي انسحبت منه امريكا في عهد الرئيس السابق ترامب ومن جانب واحد، وبعكس "التفاهمات" التي جرت مع (5 + واحد) في عهد الرئيس الاسبق اوباما) وهي نتيجة تلك البراغماتية المعتدلة للقيادة الايرانية بقيادة رئيسي ، فالوضع العام في المنطقة والعالم بحاجة ماسة الى تلك التفاهمات التي توفرها ارضية سياسية ملؤها الاعتدال وعدم التشنج وكان الرئيس الامريكي الاسبق اوباما والمرحوم رئيسي يمثلان تلك الارضية ، الامر الذي اشاع جو الراحة والاطمئنان على شعوب الشرق الاوسط والعالم فقد شهدت سنوات رئيسي توجهاً إيرانياً واضحاً نحو الشرق وبصفة خاصة مع روسيا والصين والهند، ولا يوجد شك في أن الرئيس الإيراني الجديد ايّا كان لن يحيد عن هذا التوجه، لكن هناك تحدٍّ بشأن أن يكون هذا التوجه شرقاً بنفس الوتيرة التي جرت مع رئيسي الذي وصفته بكين وموسكو بكلمات إيجابية للغاية، وسوف يتوقف هذا على قدرة الدبلوماسية الإيرانية في عهد الرئيس الجديد على تحقيق نوع من التوازن بين توسيع قنوات التواصل مع الغرب اذا اقتضت مصلحة ايران ذلك ، وفي نفس الوقت تعزيز الشراكة القائمة بالفعل مع روسيا والصين كما قامت طهران بتحسين العلاقات مع دول عربية أخرى كمصر والكويت والإمارات، إلى جانب جمهوريات آسيا الوسطى وباكستان وإندونيسيا وغيرها، مما جعلها تبدو أقل عزلة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي وفي الوقت نفسه هنالك شعور بالراحة من قبل دول الشرق الاوسط تجاه براغماتية ايران المنفتحة التي توّجت سياستها بالتوجه شرقا بتوقيع اتفاقيات إستراتيجية بعيدة المدى بين طهران وكل من بكين وموسكو، كما مهّدت للانضمام إلى التكتلات والاتحادات الاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي ، وبالفعل حصلت إيران على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون، تلك الكتلة التي تقودها الصين وروسيا، كما دعيت للانضمام إلى مجموعة الاقتصادات الناشئة "بريكس" التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. ولعل الحافز الرئيسي لانضمام إيران إلى شنغهاي للتعاون، هو وجود ثالوث القوى الشرقية العملاق (روسيا والصين والهند) في المنظمة وما تتمتع به هذه الدول من مكانة رفيعة على شتی الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، مما يسهم في التخفيف من آثار العقوبات المفروضة عليها، ومن الطبيعي جدا ان توفر السياسات المعتدلة فرصا مهمة للسلام والتنمية المستدامة لجميع شعوب الشرق الاوسط المبتلاة بالحروب والتصدعات السياـ اقتصادية والاجتماعية . وعلى صعيد الحرب الدامية على غزة والعنجهية الاسرائيلية يضاف اليها الاستهتار الامريكي فقد ساعد اعتدال السياسة الايرانية ـ بقيادة رئيسي رغم قيادة ايران لمحور المقاومة في هذه الحرب ـ في منع توسع انتشار رقعة الحرائق لتشمل شعوب المنطقة بنيرانها .
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير