أصبحت المناسبات الدينية معالم حركة إجتماعية تستقطب النساء و الرجال و الأطفال ,و موسم من هذا النوع وهذا الحجم يحتاج منا أن نفكر بطريقة تستوعب المناسبة و تستهوي الإجتماع الإنساني وتتجنب المشاكسات التي تزرع بذور الإختلاف و الفرقة وأنا أعلم أن لأهل العراق و للعالم الإسلامي آراء متباينة في هذا الموضوع تصل الى حد التناقض,
ولكن دعونا نتامل فيما حولنا من الأشياء التي ينشغل بها الناس اليوم و التي تدخل بيوتنا بدون استئذان و تدغدغ مشاعر و عواطف المراهقين و المراهقات و الصبية و الأطفال و لا أحد يفكر بها و بآثارها ؟
والتأمل جزء من الفكر الذي هو نشاط إيجابي فعال للنفس و النفس هي هذه الموجودة عندنا و عند الجموع الزاحفة نحو زيارة الأربعين .
إننا اليوم في فوضى ثقافية و فوضى اجتماعية و فوضى إعلامية و فوضى سياسية و فوضى إقتصادية و لا أحد يدري كيف تصنع الآراء و الأفكار و الخواطر النفسية من القصص و الملاحم و الروايات التي يزخر بها تاريخنا, وكيف ظهرت في الآونة الأخيرة آراء كتاب قاضي السماء الفاسدة و كيف ظهرت مجاميع اليماني و قبل كل ذلك كيف تكونت آراء القاعدة و عارضت تيار الأفكار في الإسلام و هناك تفاصيل في الجسد الإسلامي عيوبها كثيرة و تفاصيل في العقل الديني عيوبها أكثر و هناك موائد غير شهية و أكلات تسبب عسر الهضم في المعدة الإسلامية .
ومجتمعنا ضحية لكل تلك الحالات ,فعندما نتأمل في زيارة الأربعين نجد أن العنوان صحيح و الهدف صحيح , فزيارة الحسين سبط رسول الله (ص) الذي أعطاه الرسول(ص) كل اهتمامه و رعايته و عنايته فهو الذي سماه حسينا و هو الذي عق عنه في اليوم السابع من عمره و هو الذي أعطاه صفة الشهيد قبل استشهاده و هو الذي أعطاه صفة سيد شباب أهل الجنة و هو الذي أعطاه صفة الإمام قائما و هو الذي قال عنه :حسين مني و أنا من حسين.وهذه خطابات من ذات الرسول(ص) الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
ونحن مع الحسين في أمان العواطف و في صحة المطالب و المواقف و نحن مع الحسين لا نضيع وقتا و لا نهدر مالا و لا نضيع جهودا لأننا عندما نكون مع الحسين نكون مع خلاصة مشروع السماء في كل تفاصيله , ونكون مع العلم بكل فصوله و نحن مع الحسين نكون بعيدين عن اللهو و بعيدين عن الكسل و بعيدين عن الفوضى و بعيدين عن الفرقة و الجهل و بعيدين عن أعياد الحب الفارغة و بعيدين عن مجون الملاهي و فراغ المقاهي و الكلام الحرام فهل أعطينا الإسلام حقه , وهل أعطينا الله حقه في العبودية و في النظام و في استخلاف الأرض؟
إن زيارة الأربعين التي تجتذب هذا العدد الهائل من المحبين من العراق ومن العالم الإسلامي و أؤكد هنا على الإجتماع العراقي الذي يزحف من القرى و الأرياف و الأهوار و أحياء المدن الشعبية بشكل تظاهرة هي عند أهل علم الإجتماع مادة للدراسة و عند أهل علم النفس مختبر كبير لا يفوت و عند اهل العقائد مراجعة مستمرة لجزئيات الحدث و عند اهل الامن و العسكر فرصة لإظهار التنظيم و اختبار العناصر و الوحدات و عند اهل التجارة و الاقتصاد موسم لتصريف البضاعة , وعند أهل السفر و السياحة سوق جيدة و عند اهل الفكر و الثقافة موسم للتأمل و الدراسة , فأين نحن من كل ذلك؟
إننا نرى إرباكا في الأمن ينعكس على الناس لغير صالح المناسبة و نرى همة ونخوة لدى المواطنين في المدن و على مفارق الطرقات تحتاج إلى تشجيع و عناية مثلما نرى تبذيرا لا مبرر له و نرى حشودا كثيرة و طقوسا قليلة!
وهنا تظهر المسؤولية أمام الجميع ,إن موسم الزيارة الأربعينية هو مشروع لإعادة التنظيم في كل شيء , وليس على مستوى تحضير الموائد و الطعام و الشراب و إن كان ضروريا و يدل على كرم النفس و حسن الطباع , ولكننا يجب أن نعلم أن هذه المناسبة هي اختصار لوعي الأمة و ثقافة الجماهير و المؤسسات . علينا أن لا نترك الأمور للتحريك العاطفي فقط , و علينا ان لا نسلم امور هذه المناسبة التي تزدحم فيها شعائر الله الى من لا يعرف شعائر الله على مستوى السلوك و الموقف و تفاصيل الأشياء التي هي مهمة في إدارة شؤون المجتمع و الدولة .
إن مناسبة الأربعين هي مشروع ثقافي يختصر المطالب الفقهية و الأصولية و الفلسفية و الجهادية و أوراد الصلاة و العبادة في كل مناحي الحياة و هو مشروع يختصر قدرة الدولة على التنظيم و خدمة الناس و المناسبة بعيدا عن الإجراءات الارتجالية و الاوامر غير المدروسة.
ومشروع زيارة الأربعين يحتاج الى ثقافة منبرية جديدة و ثقافة حوزوية جديدة و روح مرجعية تعيش هموم الأمة على طريقة الامام علي بن ابي طالب(ع) :\"إجعل سفيرك بينك و بين الناس وجهك\".
ومشروع زيارة الأربعين يحتاج الى جهد جامعي أكاديمي مشارك بعيدا عن التحزب و الحزبية التي تضيع الجهود و تجعل المناسبة لغير وجه الله , و لنتذكر مشروع مواكب الجامعة في الستينات ذات الأبعاد الرسالية التي قدمت للأمة زادا ثقافيا و لونا من ألوان المناسبة بما يتناسب و زخم الحدث , ولنتذكر قصيدة المرحوم الدكتور داوود العطار :
يا شهيدا أين منك الشهداء ما نرى شخصك إلا أوحدا
دعونا لا نترك الجمهور يجهد و يتعب و لا يحصد , فالمناسبة ثمينة و المادة البشرية طيعة و الفرص لا تتكرر!
د.علي التميمي