- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
صعود الطبقة الوسطى وهبوطها / الجزء الخامس
بقلم: د. مظهر محمد صالح
ج –البديل الاقتصادي: الانموذج الريعي-الماركنتالي الجديد
لم تظهر الآصرة الليبرالية-الريعية بين السوق والدولة في العراق وعلى مدى عقد من الزمن،الا انموذجاً فريداً يقوي الاندماج في السوق الاستهلاكية العالمية اوالذوبان بالعولمة الاستهلاكية وعلى وفق شروط التحول السياسي الديمقراطي،الذي تطلب الانتقال من الدولة -الامة الى الدولة -المكونات او المحاصصة (كما يصطلح عليه عرفاً في بلادنا اليوم).
وان تعظيم الصرف غير المنتج لعوائد الثروة النفطية والتقاسم النهم بين المكونات وضياع العوائد الريعية في نظام توزيعي-استهلاكي،قد اسس للاسف الشديد لاقتصاد لايقوى على انتاج سوى موارد الثروة النفطية و يقوي في الوقت نفسه الاستهلاك الذي تغذيه اسواق العولمة، تؤازره وفرة نسبية من التراكمات المالية الادخارية وهي شبه معطلة محلياً و تتسرب في نهاية المطاف الى معاقل مالية خارجية ويدفع بها اللايقين والتردد في اتخاذ القرار الاقتصادي الاستثماري المحلي اوصناعته.
وبناء على ذلك،فقد اصبحت الديمقراطية السياسية -وتعظيم الاستهلاك وفق تدني فرص العمل المنتجة،عنواناً لفراغ التنمية وضياع مستقبل البلاد الاقتصادي كقوة منتجة خارج حدود ومحددات الريع النفطي.
إن الديمقراطية السياسية لاتنفي نظاماً إقتصادياً بديلاً يحل محل الانفلات الليبرالي الاستهلاكي الراهن ويعظم من آصرة الدولة-السوق الانتاجية،وان شرط الضرورة الموضوعية في مثل ذلك التحول يقتضي ماياْتي:
اولاً، أجراء تحول عقائدي في البناء السياسي للعراق من(دولة-المكونات)الى(دولة-المواطنة العراقية) وهو مفهوم اقوى من الدولة- الامة نفسها.فالمواطنة العراقية هي الاساس الموضوعي في التكوين والانتماء السياسي لمستقبل التنمية الديمقراطية في العراق.
ثانياً،على الرغم من ان الانموذج الاقتصادي الماركنتالي الجديد (التجاري) يعكس تمثيلا قوياً لراسمالية الدولة،لكنه يمتلك قوة الشراكة بين الدولة والسوق او خلق الدولة التعاونية ولاسيما في بلاد مثل العراق تهيمن فيها الدولة على موارد البلاد الطبيعية الرئيسة,فالتيارات الماركنتالية الجديدة،وعلى خلاف المذهب الليبرالي الاستهلاكي،تؤكد على اولوية الجانب الانتاجي في العملية الاقتصادية. فالاقتصاد السليم في نظرهم، يتطلب وجود بنية انتاجية سليمة ترتكز على بنية تشغيل عالية لقوة العمل وبأجور كافية.فالتجارة وفق المذهب الماركنتالي هي ليست إستيرادات جاهزة تتدفق من اسواق العولمة،بل انه انتاج شراكة يرفد اسواق العولمة بالمنتج الوطني العراقي،مثلما يرفد السوق المحلية بأنتاجه.وان التجارب الاقتصادية التي خطها الانموذج الاقتصادي الياباني اوالكوري وحتى الصيني قد وضت على اسس ماركنتالية حديثة ادت الدولة فيه دورها المشارك والملازم للانتاج.وبهذا جسدت التجربة الصناعية الاسيوية دور الدولة الماركنتالية الجديدة وهي الراسمالية الاعظم انتاجاً والاوسع إزدهاراً.
إن الاقتصاد العراقي في ظروفه الريعية الراهنة هو احوج ما يكون الى دور إقتصادي للدولة،يسهل الشراكة واندماج الدولة مع النشاط الانتاجي الخاص،وعلى وفق إيديولوجية اومنهجية إقتصادية منافية للمنهج الليبرالي الاستهلاكي السائد،وتمثل عودة متجددة لمفهوم الماركنتالية الاقتصادية والترويج لاْديولوجيا النشاطات الخالقة للسوق ذات النمط المنتج المتمثل بالشركات المساهمة المختلطة التي تعمل على وفق مباديْ الحوكمة الادارية الجيدة والانتقال الى النظام الريعي-الماركنتالي(المنتج) كبديل للنظام الريعي-الليبرالي(المستهلك) الحالي والعمل الى تشيد نظام سياسي ديمقراطي يبتعد عن(الدولة-المكونات) الراهن ويقترب من مفهوم (الدولة-الامة) ويتخطاها بأحلال(الدولة- المواطنة العراقية)من منطلق ان الولاء للعراق.راجع/مظهرمحمد صالح/متلازمة السياسة الاقتصادية في الانموذج الريعي –الليبرالي في العراق/بغداد2013
د-الاستنتاجات
ان الطبقة الوسطى التي تشكل اليوم قرابة 60% من المجتمع العراقي هي انموذج هش لدولة المحاصصة السياسية والانقسام الاثني والطائفي المتعايش على ريوع النفط. وبناء على ذلك فالدولة الكبيرة (الدولة – المكونات) اصبحت تتوافق مع سوق ليبرالية استهلاكية مناطقية تتحد مع سوق العولمة وتغترب معها. وان هكذا نمط اقتصادي سياسي يولد طبقة وسطى مغتربة داخليا منقسمة قابلة للانكسار تتطلع الى الهجرة الى خارج الوطن. اذ تتشكل اليوم طبقة وسطى عراقية في المهجر ربما هي اكثر انسجاما من مثيلاتها داخل البلاد عبر وسائل الاتصال المستقلة المتاحة.
وبناء على ما تقدم فان ثمة تلازم بين ديمقراطية السوق والدعوة الى بناء اقتصاد ماركنتالي جديد كما نوهنا يمثل الشراكة بين الدولة والسوق واحلال (الدولة-المواطنة العراقية) بديل لدولة المكونات والمحاصصة الطائفية والاثنية وعندها ستنشأ الطبقة الوسطى نشأة ديمقراطية وطنية بنسيج اجتماعي موحد.
وان الشكل الاقتصادي السياسي الحالي قد اعاد بناء الطبقة الوسطى ولكنها مستقطبة في الانموذج الريعي – الليبرالي ما جعل الرابطة ضعيفة بين صفوفها ان لم تكن منقسمة.
اذ من النادر ان تجد حزبا او حركة سياسية اجتماعية عراقية يعتد بها اليوم وتمثل عموم الطبقة الوسطى مقابل القوى الاجتماعية والسياسية التي تعتمد المحاصصة والطائفية مبادئ عمل لها.
ختاما يمكننا الاستنتاج ان النظم الدكتاتورية السابقة قد صادرت الطبقة الوسطى وافقدتها الاساس التاريخي لنشوءها عبر تدمير السوق ومن خلال المالية العامة ابان (الدولة – الامة) بوضعها المركزي الدكتاتوري وان الوضع الراهن في ظل الديمقراطية القائمة على المناطقية والاثنية والسوق المغتربة اعادت بناء الطبقة الوسطى لكن عرضت نسيجها الاجتماعي الى خطر الانقسام اذ مازالت المالية العامة وموارد النفط مثار للانقسام وان فرضية التقشف التي جاءت بها هذه الدراسة ربما تؤدي دورها هنا وهناك في تهميش نسيج الطبقة الوسطى وعوامل وحدتها. وعليه فبوحدة السوق الوطنية وديمقراطيتها واطلاق قواها المنتجة وتبديل سلوكها من سوق مستهلكة ليبرالية الى سوق منتجة ماركنتالية بشراكة الدولة ستولد الطبقة الوسطى كقوة منسجمة بأطار وطني ليعيد الانموذج الديناميكي الموجب دوره في تعظيم تلك الطبقة كقوة اجتماعية وسياسية واقتصادية تتناسب مع تجانس السوق ونظام سياسي ديمقراطي وان كان ريعيا لكنه يقوم على الدولة والمواطنة العراقية وعندها ستتبدل الحياة الحزبية من احزاب وحركات سياسية مناطقية او طائفية الى احزاب عراقية ديدنها المواطنة والهوية الوطنية الواحدة والانتماء الى العراق وبمشروع نهضوي متجانس للطبقة الوسطى.
لقراءة الاجزاء السابقة:
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول