- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
صعود الطبقة الوسطى وهبوطها / الجزء الرابع
بقلم: مظهر محمد صالح
1- اعادة التشكيل الاقتصادي والطبقة الوسطى
أ-قراءة في الاشكالية الاقتصادية الراهنة
لم يستطع العراق ان يشق طريقه بعد العام 2003 فور تبدل نظام الحكم الشمولي فيه وإستبداله بسلطة الائتلاف المؤقت او سلطة الاحتلال قبل ان يجد مخرجاً أيديولوجياً يتلاحم فيه بنيانه الاقتصادي الجديد في حاضنة السوق الدولية وضمان آليات عملها التي تسهل الاندماج في النظام الاقتصادي والسياسي الدولي. فالعولمة التي ترى في البنية السياسية (الدولة- السوق) المرتكز و البديل الذي هو لامحال (للدولة -الامة) هو شرط الضرورة قبل ان يتبلور شكل الدولة القادم للبلاد وووصف بنيانها السياسي.فهناك تضاد إيديولوجي بين إستمرار شكل (الدولة -الامة)في العراق الذي افرغ من مقومات السلطة الشمولية وأقحم بسلطة الائتلاف المؤقت (الاحتلال) وبين التطلع نحو بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الحديثة وتوليد سلطة قادرة في الوقت نفسه على حماية تلك الدولة -الامة بتكوينها السياسي والاثني وتمتلك قدرة الاندماج في النظام الاقتصادي الدولي(العولمة) كما نوهنا آنفاً. فالديمقراطية السياسية والاندماج في العولمة اصبحا بأمس الحاجة الى تخطي عقدة(الثالوث المستحيل – trilemma) في النظام السياسي والاقتصادي الدولي كما يراهاDani Rodrik استاذ الاقتصاد السياسي في جامعة هارفرد.
فمن المستحيل،على اي بلد نامي طرفي في منظومة الاقتصاد العالمي مثل العراق،ان يتمتع بنظام ديمقراطي اولاً وبنيانه السياسي يقوم على اساس(الدولة- الامة) ثانياً وهو يتطلع في الوقت نفسه الى الاندماج في النظام الاقتصادي الدولي آخراً، وعلى وفق تلك (الثلاثية المستحيلة) التحقيق.إذ ترى العولمة في تكوين البنيان السياسي الديمقراطي ولاسيما في العالم الثالث بمثابة تعبير عن(فيدراليات) صغيرة او جزئية تؤدي وظائفها السياسية داخل مكون (الدولة-السوق) وليس (الدولة-الامة) وحسب متطلبات التلاحم الاقتصادي الدولي العابر لسيادة الامم. وبهذا فقد اصطدم بناء الدولة السياسي، الذي شيد اساساً على مفهوم (الدولة -الامة)منذ العام 1921،بشرط الضرورة الذي يرى في بناء الدولة في منظومة الامم الطرفية المندمجة بالسوق العالمية العابر للسيادة، هي محظ (فيدراليات) سياسية داخل نظام السوق الدولي بعد ان تأخذ شكلا ديمقراطياً تتوافق فيه الليبرالية السياسية مع الليبرالية الاقتصادية.
لقد وجدت سلطة الائتلاف المؤقت مخرج للبلاد من (الثالثوث المستحيل) بأيجاد بنية سياسية توافق مفهوم(الديمقراطية-العولمة)وطرح بديل مناسب يلغي مفهوم (الدولة-الامة)ويحل محله مفهوم(الدولة-المكونات).حيث أضحت الديمقراطية ضمن (الدولة -المكونات) بمثابة العقد الاجتماعي لرسم مستقبل البلاد السياسي-الديمقراطي الذي يقطع الطريق على الدول-الامة كنظام سياسي للدولة الحديثة ويمتلك في الوقت نفسه قدرة التحول نحو الدكتاتورية السياسية والاستئثار بالسلطة السياسية بيسر وسهولة عالية.وهكذا رسمت خريطة الطريق السياسية وتشكل النظام الاقتصادي منذ يوم شكل (مجلس الحكم)في العام 2003على اساس المكونات الطائفية والعرقية بدرجة تتفوق على مكون المواطنة وبما ينسجم والجغرافية الاثنية او المذهبية على الارض.
ولما كانت الثروة النفطية هي المورد السيادي الطبيعي الاحادي الغالب الذي تصطف حوله قوة الدولة الاقتصادية المركزية ويمثل بين 45-55% من الناتج المحلي الاجمالي للعراق واكثر من95%من موارد الموازنة الاتحادية،فلا بد من ان تتحدد بموجبه شكل النظام الاقتصادي ومن ثم مسالك السياسة الاقتصادية في اطار راسمالية الدولة الريعية لقاء الحفاظ على نظام سوق حر يمثل قوه ليبرالية سائبة خارج الدولة وتحيط بالدولة وفق مبداء توازن المصالح دون صناعة شراكة تنموية دافعة لبلوغ اهداف التقدم الاقتصادي عبر الالتحام بين المصالح الراسمالية الاجمالية (الدولة والسوق).
وبهذا إستطاعت (الدولة-المكونات) من توصيف إطار نظامها الاقتصادي الجديد كنظام (ريعي- لليبرالي) كبديل عن النظام الاقتصادي (للدولة -الامة) وهو النظام (الريعي-المركزي) اي القائم على المركزية الشديدة لراسمالية الدولة، الامر الذي ظل يحدد إتجاهات السياسة الاقتصادية،وتركيب ثوابتها ومتغيراتها واتجاهاتها المالية والنقدية والتجارية والتشغيلية كافة كقوة مستهلكة او تخدم ليبرالية الاستهلاك في ميكانيكيات هشة من أطراف السوق العالمية.
ب-اشكالية اعادة بناء الطبقة الوسطى
لم تتخلى الدولة الريعية التي تحتضن اليوم نصف قوة العمل العراقي بقرابة 5 ملايين موظف مسؤولين بشكل او بآخر عن كونها دولة كبيرة تعمل على اعادة تركيب الطبقة الوسطى واستعادة انفاسها مجددا من خلال التوظيف الريعي. وازاء دولة مكونات وسوق مغتربة داخليا ومرتبطة باسواق العولمة فأن تشوها كبيرا يشوب اعادة بناء الطبقة الوسطى التي امست منقسمة للاسف الشديد انقساما اثنيا او مذهبيا ولايجمعها جامع طالما السوق لا تستطيع ان تولد نسيجا اجتماعيا متكاملا بسبب كونها سوق مستهلكة تعمل بافق ليبرالي ومناطقي ولايوجد لديها التحام يعتد به كقوة فاعلة وانموذج ديناميكي موجب لبناء الطبقة الوسطى التي تقود مستقبل البلاد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
راجع/مظهر محمد صالح/الريع النفطي والاستبداد الشرقي:القصل الثالث من كتاب((مدخل في الاقتصاد السياسي للعراق:الدولة الريعية- من المركزية الاقتصادية الى ديمقراطية السوق)).
لقراءة الاجزاء السابقة:
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول