حجم النص
نـــــــــزار حيدر بين الفينَةِ والأُخرى تتعالى أَصواتٌ من بعضِ العراقييِّن وغيرهم تُطالبُ بعودةِ الْعِراقِ الى محيطهِ العربي! فما المقصودُ بذلكَ؟! وهل غادر الْعِراقُ بالأَساسِ محيطهُ المذكور ليعودَ اليهِ؟! ولماذا؟! وكيف؟!. في السُّؤالِ كثيرٌ من الجهلِ والخُبثِ في آنٍ واحِدٍ! كما أَنّهُ يحملُ كذلك القليل من بصمات الطَّائفيَّة! الغرض مِنْهُ تضليل الرَّأي العام وقلب الحقائق وتشويهِ الصُّورة!. أَوَّلاً؛ ففي لحظة سقوط نِظامُ الطّاغية الذَّليل صدَّام حسين في التَّاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ وصعود دور الأَغلبيَّة في السُّلطة والحِكم والعمليَّة السِّياسيَّة الجديدة [وأَقصد بهِم الشِّيعة] إِعتبر [الأَعرب] الذين هم {أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا} ومعهم [المُكوِّن السُّنِّي الكريم] أَنَّ الْعِراق غادر محيطهُ العربي وارتمى في غيرِ حُضنٍ، لماذا؟!. أَلف؛ في ذلك التَّاريخ سَقَطَ نِظامُ [كوكس - النَّقيب] [نسبةً الى السير بيرسي كوكس الحاكم السِّياسي البريطاني الذي أَسَّس أَوَّل حكومة (وطنيَّة) في الْعِراقِ برِئاسة السَّيِّد عبد الرَّحمن الگيلاني النَّقيب (زعيم أَشراف بغداد)] النِّظام الذي أَسَّسهُ البريطانيُّون بُعيد إِحتلالهم للعراق عام ١٩١٧ وثورة العشرين التَّحرريَّة عام ١٩٢٠ وهو النِّظام الذي اعتمدَ ثلاثة أُسُسٍ مُترابطة لا تنفصل كشروطٍ لأَيِّ حاكمٍ يعتلي السُّلطة في بغداد، وهي أَن يكونَ [عربيٌّ عسكريٌّ سنِّيٌّ]. ولذلك فعندما إِعتلى السُّلطة في بغداد بعد التَّغيير ولأَوَّل مرَّةٍ حاكمٌ [عربيٌّ مدنيٌّ شيعيٌّ] إِعتبر الأَعرابُ أَنَّ الْعِراق غادر محيطهُ العربي!. باء؛ وفِي ذلك التَّاريخ إِنتقل الْعِراقِ الجديد الى النِّظام الدِّيمقراطي الدُّستوري البرلماني الذي يعتمد صُندوق الاقتراع والشَّراكة الحقيقيَّة بين مُختلفِ مكوِّنات المجتمع العراقي! فلم يَعُد هناكَ تقسيمٌ لِهذهِ المكوِّنات على أَساس الدَّرجة! وهي حالة تتناقض مع النِّظام السِّياسي العربي القائم منذ الحَرْبِ العالميَّة الأُولى والذي من أَبرز ملامحهِ الاستبداد والديكتاتوريَّة والشُّموليَّة وقمع الحريَّات وعلى رأسِها حُرِّيَّة التَّعبير، فهو بين سُلطةِ الوِراثة وسُلطةِ العسكر! والذي ينبثقُ عادةً من المؤسَّسةِ العسكريَّة بلُعبة السَّرقات المسلَّحة [الانقلابات العسكريَّة]!. لذلك إِعتبر الأَعراب أَنَّ الْعِراق غادر محيطهُ العربي!. ثانِياً؛ الْعِراق من الدُّوَل القليلة جدّاً الذي يقع جغرافيّاً في محيطٍ مُختلَط قوميّاً [عربي فارسي تُركي] ولقد كان طُوالَ تاريخهِ تقريبا يمرُّ بمشاكلَ مع جيرانهِ لأَنَّهُ يفشل عادةً في بناءِ علاقاتٍ متوازِنةٍ بين هذه القوميَّات الثَّلاث التي تُحيطهُ في الاتِّجاهات الأَربعة! وهي في حقيقتِها كلَّها مهمَّة ولها وزنَها وثِقلها سواء في المُحيط الإِقليمي أَو على المستوى الدَّولي أَو حتَّى بالنِّسبةِ للعراقِ!. ولعلَّ من أَعقد مشاكل الْعِراق في السِّياسة الخارجيَّة كانت العِلاقة مع الجارة الشَّرقيَّة الجمهوريَّة الاسلاميَّة في إِيران! بسبب الاختلاف في القوميَّة والمذهبِ مع السُّلطة في بغداد! والتي إِنتهى بها المطاف في عهدِ الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين الى أَن قاد حرباً مدمِّرة دامت (٨) سنوات!. في ذلك التَّاريخ [٩ نيسان ٢٠٠٣] بَدأَ الْعِراق الجديد يرسمُ ملامحَ علاقاتٍ جديدةٍ مع جيرانهِ، وخاصَّةً مع طهران، الأَمرُ الذي إِعتبرهُ الأَعراب ومعهم [المكوِّن السُّنِّي الكريم] أَنَّهُ دليلٌ صارخٌ على مغادرتهِ محيطهِ العربي!. *يتبع E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com