- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
احتدام الصراع السياسي.. لمصلحة مَنْ؟! قراءة في حدث برلماني
حجم النص
بقلم:احمد ناصر الفيلي في الوقت الذي تعاني فيه البلاد خطر الارهاب وتداعيات وتبعات أثقاله في شتى الحروب والمجابهات معه، والتي أدت بالنتيجة الى افتداء الكثير من الأرواح والانفس الغالية، فضلا عن أكلاف مادية واقتصادية أثرت في حركة البلاد الانمائية، وكلها بحسابات الزمن واجتراره تعقيد إضافي لفرص بنائه المتبعثرة أصلاً، لتبقيه مسربلا بالمزيد من المشكلات والتناقضات المتفاقمة، جراء تغوّل الفساد المتفشي في مفاصل الدولة حتى غدا آفة تآكلها باضطراد، بعد تنامي قوة المفسدين وأطماعهم لتتصدى لأية عملية تغيير، أو اصلاح، أو اداء تقوم به أية جهة حكومية غايتها الحد من منافعهم، بطول البلاد وعرضها، لأنهم يعدون أنفسهم حكومة ظل. نقول في هذا الوقت الذي يتطلب محاولات مد الجسور، وبناء شيء من الثقة، والمزيد من الالتزام الموجّب ازاء الاتفاقات التي تعيد اللحمة لبعض المكسور، كي تعطي قوة دافعة بما يمكن من بناء قاعدة رصينة، قوامها من مختلف القوى السياسية، لتعزيز مهمة التصدي للتحديات، ومعالجة اخفاقات الواقع المزري، برؤية موضوعية ترسم سبل الحلول للخروج من الازمة الخانقة الراهنة، والزحف نحو تباشير قد تخلق أملا. تفاقم الامور وتدهورها، ناجم بالأساس من تجاهل حقائق البلاد الأساسية، التي سارت عليها مختلف الأنظمة منذ بزوغ الكيان العراقي، وأدت كما هو معلوم، الى خلق دولة حكمتها صراعات الحقوق والمواطنة والحريات، التي قدم الشعب العراقي في سبيل تحقيقها الكثير من التضحيات، وبدلا من تفهم تلك الحقوق من قبل الأنظمة المتعاقبة، فقد مالت الى ممارسة ذات اللعبة غير عابئة بآلام العراقيين ومعاناتهم، وبعد كشف الاوراق والخفايا، صار على النخبة السياسية التي تسيّدت بعد سقوط النظام، أن تعي الحقائق وتستوعب العصر، بعد كل تلك المخاضات من جهة، والتغيير العالمي في مجرى السياسات الدولية من جهة أخرى، لكن ما أنطلق المركب الجديد، حتى عادت حليمة تريد لعبتها القديمة، فقد تسّيدت سلوكيات وممارسات لا تتماشى مع التوجه الديمقراطي الجديد كما رسم دستور البلاد، وتفتقت ذهنيات عن إيديولوجيات ورؤى ملأى بالنظرات الشوفينية، راحت تدس السم في محاولات تصالح العراقيين مع ذاتهم، فضلا عن التوافق والتشارك من أجل إنضاج الظروف، لخلق لغة مفاهمات وتفاهمات مشتركة بين مجمل القوى السياسية، كي تؤسس جملة من التقاليد السياسية الغائبة والمفتقدة عن ساحة البلاد منذ بزوغها قبل اكثر من تسعة عقود، فالعودة التقهقرية لثوابت الحكم السابقة ومفرداتها ومفاهيمها واستدعائها للحاضر لمصالح ونزعات ذاتية، وهي التي لم تجن منها البلاد سوى الخراب والحروب والدمار، ستصيب الحالمين بها بمقتل، قبل ان تلتمس لها طريقا في الأزقة الموحشة. فالعالم قد تغير بموازينه واقانيمه واتجاهاته، إذ لم تعد الحرية والتوجهات الديمقراطية طريقا لتشييد صروح الدكتاتورية، على طريقة الزعيم النازي الذي وصل بها للسلطة ثم انقلب عليها وعلى الآخرين، بل ان الحرية تعني التخلص من العبودية والشعور بالمساواة. لقد اظهر لنا التاريخ، ان المسارات التي تنبذ الخيار الديمقراطي من الحياة السياسية، تتعرض للانجراف في اتجاه معاكس لمصلحة المكونات الجماهيرية وفئاتها المختلفة، التي تشكل حصناً منيعاً لأية تحولات ديمقراطية، ويعج التاريخ الحديث بأمثلة كثيرة، من ذلك ما آلت اليه الثورة الفرنسية في دكتاتورية بونابرت، وحتى ما جرى للكثير من الدكتاتوريات في مختلف القارات في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية حتى عهد قريب،والذين صنعوا تاريخا مزيفا مليئا بقصص الآلام والدماء المرعبة، التي خلفوها لشعوبهم بوصفها الانتاج المريض والمقيت في مجال إنتهاك الحريات والحقوق الانسانية. إن من أعقد المشكلات التي يعاني منها واقعنا السياسي، هي التركيبة الغريبة التي تملأ المشهد السياسي، حيث التشابك والفوضى وانعكاس مسار الصراع السياسي القائم على تشكيلة الدولة والحكومة وادائها، فضلا عن خلق إمتدادات لها لتدخل النطاق الجماهيري والمجتمعي، وفق دسائس الحقد والضغينة التي تقتل حب الحياة وروابطها المتينة في الأخوة والصداقة والتعايش. وتعدى الامتداد ليدخل مجلس النواب، الذي دخل أعداد من أعضائه على خط الأزمات والمناكفات والصراعات على نحو محموم وغير مسبوق، ففي أي خلاف أو اختلاف يحدث وهو شأن عادي في أي تجربة فتية، أو نظام ديمقراطي، تراهم يتسابقون الى القنوات الاعلامية، للحديث لا عن مهماتهم ودورهم، وانما بأصل تلك الخلافات، وهي سابقة لم تتحقق إلا في بلادنا، وهم بهذا اصبحوا جزءاً من المشكلة لا الحلول،وأنابوا عن جهات الخلاف، لا عن أولئك الذين أنتخبوهم ليحققوا أهدافهم المشروعة في الحياة الكريمة بعد رحلة أوجاع شاقة، متناسين إن مهمة البرلمان هي التشريع والرقابة. استجوب البرلمان الاتحادي، مؤخرا عدداً من الوزراء والذي صوّت على إقالتهم برغم وجود مآخذ فساد على عدد من النواب بحسب ما افاد به الوزراء، وأذ أقالوا الوزراء ،فمن يقيل النواب المثار عنهم الفساد، وهل هم فوق القانون مثلا، وبغض النظر عن المساءلة والاقالة، ألا يحق لنا ان نسأل برلماننا الاتحادي عن أمور جوهرية ذات مساس بالمصائر وقعت وتقع، ويغض مجلس النواب عنها أنظاره، منها الاسئلة الكثيرة التي تحاصر الرأي العام، بشأن ما تم بصدد عملية سقوط مدينة الموصل وما توصلت اليه لجنة الأمن والدفاع، والتي لم تستجوب احداً، أترى إن أحدا فيها لم يكن بمقصر، من قادة وقواد فرق عسكرية لم تخوض المجابهة ، وقبلها وزراء تلاعبوا بالأموال العامة قدرت بالمليارات، وأستطاعوا الافلات بمغادرة البلاد من دون أي مبالاة، اعتماداً على جنسياتهم الثنائية وصفقاتهم، من دون أن تكون هناك جهة تحاسبهم. وتطرح لجنة النزاهة الكثير من الملفات، التي تهم وزارات عديدة، لكن على وقع أثر القول القائل، (أسمعت أذ ناديت حيا.. ولكن لا حياة لمن تنادي). ومن المخجل أن يتقاضى نائب برلماني عمولة لقاء تعيين مواطن أو يتجول في أروقة الوزارات بحثا عن مناقصات كأنه مقاول. إن القاء نظرة على واقع البلاد، تكشف عن مآس كثيرة، وهي إن لم تحظ بالبحث الجدي والحلول الآنية والمستقبلية، فستكون البلاد ازاء تحديات أخرى، لا تقل عما واجهته من تحديات، فأحصائيات المنظمة الدولية تكشف، إن تسعة ملايين عراقي هم تحت خط الفقر، مع أعداد مليونية اخرى، منهم الأيتام والأرامل، ومن الذين لا يملكون سكنا ويعيشون في العشوائيات والايجارات، فضلا عن أربعة ملايين شخص، ما بين مهجر ونازح تحت وطأة شتى الظروف، حيث يقيم أكثر من مليوني شخص منهم في اقليم كوردستان. واذا ما تأملت تراتيبية البلاد في قوائم الأمم المتحدة ومنظماتها، ترى إن البلاد تقبع في ذيل القائمة، في بلد تتجاوز موازنته المالية السنوية مئة مليار دولار. إن هذه المشكلات تحمل تداعيات خطيرة على المجتمع، ما لم يتم وضع برامج تكفل الحلول لها على مراحل، وهي ما تحتاج معه الى جهود كثيرة،ويقع الكثير منها على عاتق البرلمان، فكم من هذا الكم الهائل قد أثار حفيظة البرلمان الاتحادي، الذي هو بالمقاس الاجتماعي جزء من أفراد هذا المجتمع، ويهمهم أن يسوده الاستقرار والطمأنينة أمنيا واجتماعيا، والجواب عند أولئك الذين يعيشون يوميا معاناة حقيقية. لقد قامت التجربة الجديدة على واقع سياسي جديد، يهتم بضم الشركاء في العملية السياسية وعدم المساس بواقع حضور هذه المكونات، حيث تعكس في جانب منها الخارطة الانتخابية للبلاد وتوجهاتها.. ان انفصام عرى هذه البداية الأولية لانطلاقة التجربة الجديدة يعني عودة الى الوراء، ومواجهة مشكلات كثيرة، لن تصب في صالح أحد بقدر ما تعيد عقارب التاريخ الى الوراء وتجدد التخلف والهلاك، فهل في هذه العودة من مصلحة للبلاد والعباد؟.
أقرأ ايضاً
- الحصانة البرلمانية
- الأهمية العسكرية للبحر الاحمر.. قراءة في البعد الجيوستراتيجي
- الغدير.. بين رأي السياسي وقراءة المخالف