حجم النص
بقلم:سالم مشكور مع بداية العام 1991، وحينما كانت الامور تتجه الى اعلان الحرب لاخراج القوات العراقية من الكويت، كانت تركيا، برئاسة تورغوت أوزال، مشغولة بصياغة استراتيجيتها الجديدة للعب دور أكبر في الشرق الاوسط من خلال ما سيرشح عن تلك الحرب. كان أوزال يعتقد أن الحرب ستنتهي بسقوط نظام صدام، وحدوث فراغ أمني شمال العراق. وكان يحتفظ بمكتبه بمقال نشرته مجلة "ناشنال ريفيو" التي تمثل اليمين الاميركي المحافظ بتاريخ 17 أيلول/ سبتمبر 1990 بتوقيع "J.B.Kelly" حمل عنوان "دعونا نكلم تركيا"، جاء في جانب منه: "إذا وصلت أزمة الخليج الى نقطة الحرب وانهار نظام صدام حسين وتفكك العراق، يمكن لتركيا أن تطالب بحقها في ولايتها السابقة الموصل. وإذا طلبت تركيا حقاً كهذا فعلى الولايات المتحدة أن تدعمها بطلبها". وفي هذا المقال يستند الكاتب الى وثيقة تاريخية يقول انها تؤيد حق تركيا في ولاية الموصل وهي تقرير لجنة عصبة الامم، الذي أعد لفضّ الخلاف التركي البريطاني حول الولاية، إذ يقترح التقرير ضم ولاية الموصل الى العراق على ان تعود الى تركيا في حال اخلال العراق بالتزاماته بامور عدة منها القضية الكردية. ويستنتج الكاتب بان العراق لم يفِ بالشروط الواردة في التقرير وبالتالي فمن حق تركيا استعادة ولاية الموصل. كان أوزال يعرض هذا المقال على زواره المقربين منه ويطلب رايهم. وفيما بعد بدأ هو نفسه يكرر محتواه ويطور استرتيجيته في هذا الموضوع والتي قامت على عدم امكانية استعادة ولاية الموصل(اقليم كردستان الحالي مضافا اليه محافظتا الموصل وكركوك) والتعويض عن ذلك بتقسيم العراق الى ثلاث دويلات (كردية، تركمانية، عربية)، على أن يتم لاحقا ضم الدويلتين الكردية والتركمانية الى تركيا في اتحاد فدرالي، وهو ما أطلقت عليه الصحافة التركية إسم "خريطة أوزال الفدرالية". آنذاك، كان زعماء أكراد العراق يحاولون فتح قنوات اتصال مع الحكومة التركية. إذ ينقل الصحافي التركي المقرب من أوزال، "جنكيز تشاندر" ان جلال الطالباني زار أنقرة وعرض على مدير مكتب أوزال دعم أكراد العراق للرئيس التركي في تنفيذ مشرعه، ملمحا الى ان وجود كردستان العراقية داخل تركية أفضل للاكراد من وجودهم ضمن العراق. اللجنة التي انتدبتها عصبة الامم لاستطلاع رأي أهالي الموصل بمصير الولاية، لم تكن بعيدة عن التأثير البريطاني. فرغم أن عددا كبيرا من وجهاء الولاية(يقال أغلبهم)، فضلوا الانضمام الى تركيا، بمن فيها تلك العوائل المتحدرة من أصول تركية، الا أن المندوب السامي البريطاني حينها، اصر على بقائها في العراق قائلا إن ضمها الى تركيا سيخلق خللا في التوازن مع الشيعة الذين سيشكلون أغلبية كبيرة في البرلمان العراقي. فيما بعد طور تورغوت أوزال استراتيجيته وبدأ بالحديث عن استعادة ولاية الموصل، لكن توقف الحرب بدون اسقاط نظام صدام جعل السياسة التركية تلجأ الى استرتيجيات أخرى تقوم على ترسيخ النفوذ داخل كردستان العراق، لمنع قيام كيان كردي غير مسيطر عليه تركيّاً.كان الهاجس التركي دائما هو أن تبادر إيران الى ملئ أي فراغ يشهده شمال العراق مالم تبادر تركيا الى ملئه. هكذا يمكن فهم التوغل العسكري التركي قرب الموصل اليوم، وتشجيع أصدقاء تركيا باعلان رفضهم مشاركة قوات الحشد الشعبي المتهمة بالقرب من ايران، في معركة الموصل. اليوم يتجدد الحديث عن تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم فدرالية لكنها شبه مستقلة، الامر الذي يحيي- كما يبدو- الحلم التركي بالضم المباشر أو غير المباشر(فدرالي) لولاية الموصل.
أقرأ ايضاً
- المثقف وعودة الخطاب الطائفي
- العراق في المونديال.. الحلم المشروع
- عودة في الذاكرة.. ماذا فعلنا بعد الديكتاتورية؟