حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ رغمَ الانتهاكات الكثيرة للهدنة التي جرت بين النظام السوري وبين الفصائل المسلحة المناوئة له وعدم صمود هذه الهدنة طويلا كما كان مقررا لها إلا أن هذه الهدنة شكلت الحد الأدنى للمساعي الدولية المتضافرة لوضع حل سياسي معقول يكون اضعف الإيمان لهذا الاقتتال الدائر منذ خمس سنوات دفع الشعب السوري وخاصة المدنيين العزل الثمن باهظا وهم أكثرهم ليس لهم ناقة او جمل بهذا الصراع الذي تسبب بمقتل ما يزيد عن 250 ألف شخص وتشريد الملايين فضلا عن تخريب البنية التحتية والاقتصادية للشعب السوري مايستدعي مليارات الدولارات لإعادة الحياة اليها، وبحسب وزارة الدفاع الروسية بلغ عدد المجموعات "المعارضة" التي وقعت على اتفاق وقف إطلاق النار والمشاركة في الحوار الوطني 35 مجموعة باستثناء داعش والنصرة الإرهابيتين، ولم يتأتَ إقرار هذه الهدنة إلا بعد الاتفاق الذي دار بين اللاعبين الرئيسيين في الشأن السوري (الولايات المتحدة وروسيا) ولكل منهما تابعون ثانويون على الأراضي السورية (كومبارس) يضاف اليهم اللاعبون الإقليميون وتوابعهم ذوو الأجندات الإقليمية المكشوفة للرأي العام والتي لاتبتعد عن المصادر السلفية والوهابية (تجنيدا وتمويلا) في الخليج العربي وتركيا، وان اتفقت معظمها على طرح شعار "الثورة" وتغيير النظام البعثي الذي وصف بالديكتاتوري والشمولي والطائفي ...الخ وبالقياس الى النتائج التي ترتبت على هذا الاصطراع الدامي كان الثمن المدفوع من اجل تغيير هذا النظام او إسقاطه بالقوة ونيابة عن اللاعبين الخارجيين الكبار او الصغار أغلى بكثير من ثمن بقاء هذا النظام على قيد الحياة . ومايثير الشك والريبة أن الاقتتال الدائر في سوريا هو ليس اقتتالا أهليا صرفا وكما هو متعارف عليه في الحروب الأهلية أو التي تكون مابين نظام ما (ومهما كان نوعه) وبين معارضة ما (مهما كان لونها السياسي) وإنما هو اقتتال مابين نظام وبين مجاميع أكثرها إرهابية إن لم تكن كلها وان سميت بعضها بالمعارضة "المعتدلة" مجازا وأكثرها تغرد خارج السرب الوطني السوري وذلك بارتمائها في أحضان أعداء سوريا وشعبها ولم يخلُ هدفها في إسقاط النظام من برامج سيا/ طائفية مبيتة. الهدنة كشفت عن برنامج امني جاء في مصلحة الشعب السوري لكي يلتقط أنفاسه وايضا للمجتمع الدولي ليمهد الى صيغة توافقية للانتقال السلمي للسلطة وذلك بـ: 1 يقوم أي طرف منخرط في العمليات العسكرية باستثناء "تنظيم داعش"، و"جبهة النصرة"، أو أي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن بالإعلان لروسيا الاتحادية أو للولايات المتحدة عن التزامه وقبوله بشروط الهدنة فورا 2- يسمح الاتفاق بإيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري 3 رسم مخطط يحوي مختلف المجموعات على أرض المعركة. 4. لو صمد وقف إطلاق النار لمدة أسبوع واحد، ستبدأ الولايات المتحدة في التعاون مع القوات الروسية من اجل استهداف جبهة النصرة (جبهة فتح الشام حاليا) وتنظيم "الدولة الإسلامية تمهيدا للانتقال السياسي السلمي للسلطة . وهذا الاتفاق او التوافق الأمريكي ـ الروسي لم يأت مصادفة بل أتى وفق هدف يتعلق بمصالحهما الجيوستراتيجة في المنطقة،ويذكرنا هذا الاتفاق بمؤتمر يالطا عام 1945 الذي ناقش الأهداف الحيوية للقطبين العظميين آنذاك في ألمانيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة هتلر فيها . ولكن وفي الشأن السوري والأهداف الحيوية لكلا القطبين فيه فكان على الإدارة الأمريكية أن تضبط إيقاعها في العراق اولا وترتب شؤونه قبيل حسم انتخاباتها الرئاسية المرتقبة ولابد من حسم ملف العراق ليكون عاملا فاعلا في الماراثون الانتخابي لأي مرشح لعلاقة هذا الملف بالأمن القومي الأمريكي، فضلا عن الاستعجال بتحرير الموصل له وهو مايفسر سبب التوافق "المفاجئ مع الغريم الروسي حول هذا الملف الساخن، وكان على روسيا ايضا أن تستغل الإحجام أو "البرود" الأمريكي الذي طرأ على السياسة الخارجية الأمريكية في ولاية الرئيس اوباما،على الشأن الشرق الأوسطي عامة والعراقي خاصة وان تمدّ مخالبها الى المياه الدافئة ولاتكتفي بموضع القدم الوحيد لها في (طرطوس السورية) وتستغل حاجة العراق وسوريا الشريكين العتيدين في مقارعة الإرهاب الى حليف كبير واستراتيجي وقوي ولاستعادة "مجدها" القديم إبان الحقبة السوفييتية ذلك "المجد" الذي تلاشى في مجاهل أفغانستان وبراريها ماسرّع بتفكك الإمبراطورية الحمراء وهي أول إشارة ـ ومنذ تفكك الاتحاد السوفييتي ـ الى عودة نظام القطبين وعدم تفرد أمريكا كقطب أوحد لاشريك له بالساحة الدولية، وعودة النشاط الروسي في الشرق الأوسط حتمتها الظروف الإقليمية والدولية والمتمثلة بعضها بالإرهاب في رجوع روسيا كقوة عالمية عظمى. وهو مايشير الى بداية لطي صفحة سايكس بيكو القديمة وفي مئويتها الأولى وإحلال سايكس بيكو "جديدة " انطلاقا من سوريا وهذه المرة بدون فرنسا وبريطانيا والدور الثاني على العراق لمابعد داعش والعراق هو القلب النابض للشرق الأوسط وبيضة القبان فيه ومرتكز المصالح الجيوستراتيجة العالمية ولإعادة رسم خارطة طريق لشرق أوسط جديد قد يكون التوافق الروسي ـ الأمريكي الذي وحّد ستراتيجيتهما حيال ألمانيا في مؤتمر يالطا سيكون مفتاحا ليالطا جديدة تكون ممرا آمنا لشرق أوسط جديد وآمن بعد تطهير الفضاء الجيوستراتيجي للشرق الأوسط من الإرهاب والحكومات المساندة له وعسى ان تتعظ تلك الحكومات من مصير النازية وهو المصير الذي حدده اللاعبون الكبار يوما ما من عام 45 في يالطا،واقول...عسى وقبل فوات الاوان. كاتب عراقي