- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أحكام الإعدام والقضاء العراقي
حجم النص
بقلم:عباس الصباغ يُخطئ من يظن أن أحكام الإعدام (المتلكئة) بحق الإرهابيين والمثيرة للجدل، أنها تمثل استحقاقات جزائية أو قانونية حقيقية لهم، فالإعدام ولمرة واحدة لهؤلاء ليس جزاءً وفاقا أو استحقاقا قانونيا عادلا فحسب، فهؤلاء نوع غريب من "البشر" يكون الإعدام شيئا قليلا بحقهم وعلى ابسط جرائمهم وليس عن كلها وفي الوقت عينه فان أحكام الإعدام ليست بالضرورة تكون رادعا و"مخوّفا" لمن يفكر بتكرار مافعله هؤلاء في المستقبل فهؤلاء لايعبأون بهذه الأحكام كونهم في الأساس "أناسا"مستميتين ويؤدون مهامهم كانتحاريين ويعتبرون جل ما يقومون به أعمالا "استشهادية" وبالتالي لايهمهم سواء نُفذت بحقهم أحكام الإعدام أم لم تُنفذ أو دخلت في ماراثون الروتين الإداري الممل والشائك مابين السلطات التنفيذية والقضائية وكل جهة ترمي باللوم والتقصير والتلكؤ على الجهة الأخرى، والخطأ الأكبر عندما تُفسر هذه الأحكام ـ في حال تنفيذها وتخطيها بنجاح المعرقلات البيروقراطية المعقدة والشائكة ـ أن تكون ردَّ فعل انتقاميا مرتجلا على وحشية الهجمات الإرهابية كما حدث في الكرادة وليست استحقاقا قانونيا كما حدث في مطالبة رئيس الوزراء بإعدام الإرهابيين غداة تفجير الكرادة او "رغبة" بعض الجهات باقتحام السجون التي يُعتقل فيها الإرهابيون وتنفيذ حكم الإعدام فيهم على أيديهم ودون الرجوع الى الجهات المعنية بذلك، وهؤلاء الإرهابيون ماكثون منذ مدة ليست بالقصيرة في السجون ويكلفون الدولة مبالغ طائلة كأجور "إقامة" خمس نجوم كما يقال ولايُعرف فيما إذا كان وجودهم ولهذه المُدد الطويلة والمُكلفة لأسباب تتعلق بسير عمليات التحقيق الطويلة معهم ولأجل اخذ المعلومات التي تحتاجها الجهات الأمنية منهم لفائدتها السوقية والاستخبارية أو لأسباب قانونية ومهنية أو لعدم استسهال مبدأ الإعدام لأسباب مزاجية أو كيفية أو لأسباب اخرى...الله اعلم، إذ مازالت الذاكرة العراقية تحتفظ أن النظام الديكتاتوري الشمولي السابق قد اعتمد أحكام الإعدام كعقوبة (من الأعلى) في سلسلة أحكامه المتعسفة ضد العراقيين أي انه بدأ بالدرجة العليا من العقوبات التي طالت مئات الآلاف من الذين ساقهم حظهم العاثر الى سجون ذلك النظام وربما لأسباب كيدية تافهة او مجرد وشايات او تأويلا لكلمة ما قيلت عن غير قصد غيّبت صاحبها في غياهب وطوامير المنظومة الأمنية القمعية والمرعبة لذلك النظام الفاشستي والدموي، ولكن مسالة إعدام الإرهابيين القتلة تختلف اختلافا كليا وجذريا عن السيناريو الستاليني المرعب الذي عاشه العراقيون إبان حكم الديكتاتور حيث الإعدامات العشوائية والكيفية وبدون سند قانوني أو وازع أخلاقي أو وجود مبرر يستدعي إعدام آلاف الناس بالجملة وفي سيناريو دموي تطور من حالات إعدام صورية الى حملات إبادة جماعية ولدواعٍ تكشف عن وحشية وهمجية ذلك النظام، وبالمقابل فان أحكام الإعدام للإرهابيين تمثل استحقاقا سماويا عادلا لجرائم يجب أن ينال مرتكبوها استحقاقهم العادل (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) وتمثل استحقاقا إنسانيا ايضا (العين بالعين والسن بالسن والبادئ اظلم) وإعدامهم وان كان لا يشكل رادعا لغيرهم أو سيحُدُّ من العمليات الإرهابية المرتقبة ايضا، وبحسب المعطيات الموجودة على الأرض والتي تؤكد إن داعش مايزال قادرا على تجنيد واستقطاب البهائم المغرر بهم والمغسولة أدمغتهم بفعل الفتاوى التكفيرية والإعلام التكفيري والأصفر وتعويض قواطع عملياته بالعناصر الإرهابية ومن كل أنحاء العالم.إلا أن تنفيذ أحكام الإعدام ـ إن نفذت وفق سياقاتها الطبيعية ـ يعتبرا جزءا من رد الاعتبار لدماء الضحايا ولكن ليس اعتبارا كاملا فالإعدام وحده لايكفي!!!. قضية إعدام الإرهابيين المشمولين بأحكام الإعدام وفق القوانين الجزائية العراقية المعمول بها هي من القضايا الشائكة جدا والتبست فيها عدة أمور منها القضائية ومنها السياسية الملتبسة بالمواقف السيا/ طائفية لبعض الكتل السياسية وامتدادتها الإقليمية ومنها الدولية والخاصة بمنظمات "حقوق" الإنسان التي لم تكن منصفة يوما ما مع الشعب العراقي وهو كان ومايزال يذبح من الوريد الى الوريد كمنظمة (هيومن رايتش ووتش) وغيرها.... فدستوريا حُصر التصديق على أحكام الإعدام بصلاحيات رئيس الجمهورية حصرا [ المادة (73) يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الآتية : ثامناً:ـ المصادقة على أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم المختصة.] وان كان مجلس الوزراء قد صوَّت مسبقا على إجراء تعديل على نص المادة(286) من قانون أصول المحاكمات الجزائية المرقم 23 لسنة 1971 وتعديلاته، للاستغناء عن تصديق الرئيس على عمليات الإعدام ويمكن لوزير العدل بدلاً منه أن يصادق على الأحكام إذا لم يبادر الرئيس، خلال 30 يوماً من صدور الأحكام الى تصديقها وهذا الإجراء لايقلل من صلاحيات الرئيس، وبعد أن ارتفعت أصوات فقهاء القانون بضرورة تقديم مجلس الوزراء طلبا الى المحكمة الاتحادية للبت في التداخل بين المادة 73 من الدستور والمادة 286 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لحسم الخلافات حول صلاحية رئاسة الجمهورية في المصادقة على تلك الأحكام. وذلك لحل جميع الإشكالات مابين السلطتين التنفيذية والقضائية اللتين تتمتعان باستقلالية تامة لكل منهما ولحسم الجدل السائد بينهما وفض الاشتباك والاتهامات التي عادة ماتتناقلها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي برمي الكرة تارة في ملعب رئاسة الجمهورية وتارة اخرى في ملعب السلطة القضائية وتارة في ملعب وزارة الداخلية. وأقول: هل عجز المشرعون العراقيون وفقهاء القانون الجنائي عن تشريع مواد دستورية خاصة بمعاقبة الإرهابيين بمواد دستورية تختلف عن العقوبات المرسومة في قانون العقوبات العراقي والخاصة بأصحاب الجريمة المنظمة او الفردية الجنائية وان كان هذا الأمر يتطلب تعديلا جذريا لقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 وتعديلا دستوريا ايضا لمهام رئيس الجمهورية المخصوصة في المادة (73 / ثامنا) فليس من المعقول ان يتساوى مجرم داعشي متهم بالإبادة الجماعية للشعب العراقي مع مجرم جنائي اخر ويعاقبان بنفس المواد والآليات والسياقات القانونية!!!!!...وهكذا بقيت الحقيقة معلقة مابين رئاسة الجمهورية التي طالما دافعت عن نفسها بان رئيس الجمهورية صادق على جميع أحكام الإعدام تنفيذا للمادة (73 / ثامنا) في حين تنفي الداخلية ذلك والقضاء من جانبه يدلي برأي اخر يعكس وجهة نظره ولايكون بالضرورة متوافقا معهما ، ويبقى ذوو الضحايا ترنو أبصارهم صوب أعواد المشانق عسى أن تتدلى منها رؤوس القتلة التي أينعت وحان قطافها من زمان بعيد ولكن الى الله المشتكى !!!!! . كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي
- تفاوت العقوبة بين من يمارس القمار ومن يتولى إدارة صالاته في التشريع العراقي