- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العراقيون يفقدون الثقة في الديمقراطية
بقلم: د. سامان شالي
إن مسألة ما إذا كان العراقيون قد فقدوا الثقة في الديمقراطية أمر معقد ومتعدد الأوجه. لقد كانت رحلة العراق نحو الديمقراطية مضطربة، وتميزت بتحديات وانتكاسات كبيرة. يستكشف هذا المقال الوضع الحالي للديمقراطية في العراق، والعوامل التي تساهم في خيبة الأمل بين مواطنيه، والتداعيات الأوسع على المستقبل السياسي للبلاد.
إن الانتخابات وتغيير الحكومات لا تعني الديمقراطية، بل هي إحدى ركائز الديمقراطية إذا كانت الانتخابات نزيهة. في عهد النظام السابق أجريت انتخابات وتغيرت الحكومات، لكنها كانت حكومة دكتاتورية. إن ما يحدث في العراق هو استعراض وليس ديمقراطية حقيقية، لأن الفائز سيكون خاسراً، والخاسر هو الرابح.
وعد الديمقراطية في العراق
كان من المفترض أن يكون سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، إيذانا ببدء حقبة جديدة من الديمقراطية في العراق. واعتبر إنشاء المؤسسات والعمليات الديمقراطية في وقت لاحق، مثل صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات متعددة الأحزاب، بمثابة معالم هامة. ومع ذلك، فإن تطبيق الديمقراطية في العراق كان محفوفا بالصعوبات برغم من وجود دستور جديد صوت لها أكثر من 80% من العراقيين.
العوامل المساهمة في خيبة الأمل
1. عدم الاستقرار السياسي والعنف: منذ عام 2003، واجه العراق قدراً كبيراً من عدم الاستقرار السياسي والعنف. لقد خلق الصراع الطائفي، وصعود الجماعات المتطرفة مثل داعش، وحركات التمرد المستمرة بيئة متقلبة. لقد أدى التهديد المستمر بالعنف إلى تقويض الاستقرار الضروري لديمقراطية فاعلة.
2. قضايا الفساد والحكم: لا يزال الفساد يمثل مشكلة منتشرة في العراق. غالبًا ما يُنظر إلى المؤسسات الحكومية على أنها فاسدة وغير فعالة، مما يؤدي إلى انتشار انعدام الثقة بين المواطنين. وقد أدى الافتقار إلى الشفافية والمساءلة في مجال الحكم إلى تآكل ثقة الجمهور في العمليات الديمقراطية.
3.التحديات الاقتصادية: يعاني الاقتصاد العراقي من صعوبات بسبب عوامل مختلفة، بما في ذلك الحرب والعقوبات وتقلب أسعار النفط. إن معدلات البطالة المرتفعة، والفقر، وعدم كفاية الخدمات العامة، جعلت العديد من العراقيين يشعرون بخيبة الأمل إزاء قدرة حكومتهم على الوفاء بوعود الديمقراطية.
4. الطائفية والانقسامات العرقية: أثرت الانقسامات الطائفية والعرقية بشكل عميق على المشهد السياسي في العراق. كثيراً ما أدت هيمنة الأحزاب الطائفية إلى إعطاء الحكم الأولوية للمصالح الطائفية على حساب الوحدة الوطنية. وقد عزز هذا الانقسام العرقي الشعور بالإقصاء والتهميش بين المجموعات المختلفة.
5. التأثيرات الخارجية: ساهم تدخل القوى الخارجية في شؤون العراق الداخلية أيضاً في إضعاف مؤسساته الديمقراطية. وكثيراً ما أدت التدخلات والنفوذ الأجنبي إلى تفاقم الصراعات الداخلية وتقويض سيادة الدولة العراقية.
6. الدستور: ويعتبر الدستور العراقي من أفضل دساتير في المنطقة. ومع ذلك، فإنه يفتقر إلى الوضوح في بعض المواد. إن التباطؤ في تطبيق الدستور وإهمال مبادئه يعني خيبة أمل كبيرة للعراقيين الذين يعتبرونه مظلة لجميع العراقيين.
التصور العام وخيبة الأمل
وقد ساهمت العوامل المذكورة أعلاه مجتمعة في تزايد خيبة الأمل بين الشعب العراقي. تشير الدراسات الاستقصائية والتقارير إلى أن العديد من العراقيين فقدوا الثقة في العملية الديمقراطية. وتشمل المؤشرات الرئيسية لخيبة الأمل هذه ما يلي:
1. انخفاض نسبة إقبال الناخبين: شهدت الانتخابات الأخيرة انخفاض نسبة إقبال الناخبين، مما يعكس اللامبالاة والتشكك على نطاق واسع بشأن العملية الانتخابية. ويشعر الكثير من العراقيين أن أصواتهم لا تؤدي إلى تغيير ذي معنى. وتمثل هذه النسبة أكثر من 60% من الناخبين الذين يمكنهم تغيير مسار الحكومة إذا اتحدوا في اختيار مرشحين ذوي كفاءة عالية ونزيهين يستطيعون خدمة الشعب بعيداً عن هيمنة هذه الأحزاب.
2. الاحتجاجات والحركات الاجتماعية: شهد العراق العديد من الاحتجاجات والحركات الشبابية التي راح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى وطالبت بتحسين الحكم والشفافية والمساءلة. تسلط هذه الحركات الضوء على إحباط السكان من النظام السياسي القائم.
3. الهجرة: يبحث العديد من العراقيين، وخاصة الشباب، عن فرص في الخارج، بعد أن أصيبوا بخيبة أمل بسبب انعدام الآفاق والاستقرار في وطنهم الأم. إن هجرة الأدمغة هذه تؤدي إلى إضعاف قدرة البلاد على تحقيق التنمية الديمقراطية والأقتصادية.
الطريق الى الامام
ورغم أن التحديات هائلة، فإن الطريق إلى الأمام نحو الديمقراطية في العراق ليس قاتما تماما. هناك عدة إجراءات يمكن أن تساعد في استعادة الثقة في العملية الديمقراطية:
1. تعزيز المؤسسات: إن بناء مؤسسات قوية وشفافة يمكنها تقديم الخدمات العامة بشكل فعال ودعم سيادة القانون أمر بالغ الأهمية. وتشمل هذه المؤسسات الإصلاحات القضائية، وتدابير مكافحة الفساد، وتمكين الهيئات التنظيمية المستقلة.
2. تعزيز الحكم الشامل: إن معالجة الانقسامات الطائفية والعرقية من خلال الحكم الشامل الذي يمثل جميع الفئات يمكن أن يعزز الشعور بالوحدة الوطنية. إن الإصلاحات السياسية التي تعزز تقاسم السلطة والتوزيع العادل للموارد ضرورية.
3. تعزيز المشاركة المدنية: إن تشجيع المشاركة المدنية والمشاركة السياسية من خلال حملات التعليم والتوعية يمكن أن يساعد في إعادة بناء الثقة في العملية الديمقراطية. كما يعد تمكين منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام من مساءلة الحكومة أمرًا حيويًا أيضًا.
4. الإصلاحات الاقتصادية: إن تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تخلق فرص العمل، وتحد من الفقر، وتحسن الخدمات العامة يمكن أن تخفف من بعض المظالم الاقتصادية التي تساهم في خيبة الأمل. ويكتسي تنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط أهمية خاصة.
5. معالجة المخاوف الأمنية: ضمان الأمن والاستقرار أمر أساسي لأي عملية ديمقراطية. ولا يتطلب هذا الأمن جهودًا عسكرية وشرطية فحسب، بل يتطلب أيضًا معالجة الأسباب الجذرية للعنف، مثل المظالم السياسية والاجتماعية.
6. وضوح الدستور: إن معالجة بعض المواد وتوضيح وتعديل بعضها الآخر أمر بالغ الأهمية لخدمة حقوق العراقيين ووحدتهم، وخاصة صلاحيات القضاء التي أصبحت فوق كل الاعتبارات.
إن ما إذا كان العراقيون قد فقدوا الثقة في الديمقراطية يعكس خيبة أمل أوسع نطاقاً إزاء الوضع الحالي للحكم.
ورغم أن التحديات كبيرة، إلا أنها ليست مستعصية على الحل. ومن خلال معالجة القضايا الأساسية المتمثلة في عدم الاستقرار السياسي، والفساد، والصعوبات الاقتصادية، والانقسامات الاجتماعية، يستطيع العراق العمل على استعادة الثقة في مؤسساته الديمقراطية. إن الرحلة نحو ديمقراطية مستقرة وفاعلة طويلة وشاقة. ومع ذلك، مع الجهود المتضافرة والإصلاحات الحقيقية، يظل ذلك احتمالا لمستقبل العراق.
أقرأ ايضاً
- متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟
- أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
- الثقة الشعبية بالمحكمة الاتحادية العليا