- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تفاوت العقوبة بين من يمارس القمار ومن يتولى إدارة صالاته في التشريع العراقي
بقلم: د. مازن خلف ناصر
على الرغم من تحريم القمار وتجريم ممارساته في العراق، إلا أنه تصرف مباح بصورة سرية، ويمارس في كازينوهات أو بيوت يملكها أناس متنفذون ومتحكمون في اقتصاد الدولة، لأن ما تدره عليهم أكبر بكثير مما يدره أي عمل آخر، حيث ثبت أن أرباحها توازي موازنة دولة بأكملها، وتعد مصر والعراق ولبنان من أكثر البلدان العربية التي تضم عددا من الكازينوهات المتخصصة بلعبة القمار ومن خلالها تُغسل الأموال أيا كان مصدرها.
ومما لا شك فيه أن تحريم القمار وحظر إنشاء الكازينوهات التي تروج لمثل هكذا ممارسات يستند لقوله تعالى في سورة المائدة بسم الله الرحمن الرحيم ((يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) الآية (90).
كما ويستند تحريم القمار وحظر صالاته لنص المادة (2/أولا/1) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 بقولها أن "الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام"، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على تحريم القمار كلعبة سواء أكانت الجهة التي تدير صالات لعب القمار مرخصة من عدمه، ولم يستثن المشرع العراقي ممارسته لغير العراقيين من الأجانب.
ومن ثم لا بد من بطلان جميع القوانين التي تخالف أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها المرجعية العليا للبلاد بشأن الأفعال التي تنهي عنها، وهذا ما أكد عليه المشرع العراقي في الباب الرابع (العقود الاجمالية) الفصل الأول (المقامرة والرهان) في المادة (975) بقولها "1- يقع باطلا كل اتفاق خاص بمقامرة أو رهان. 2- ولمن خسر في مقامرة أو رهان أن يسترد ما دفعه خلال سنة من الوقت الذي أدى فيه ما خسره ولو كان هناك اتفاق يقضي بغير ذلك وله أن يثبت ما أداه بجميع طرق الاثبات القانونية "، في حين نصت المادة (976) من القانون ذاته على استثناء في غاية الاهمية بقولها " 1- يستثنى من احكام المادة السابقة الرهان الذي يعقد في ما بينهم المتبارون شخصيا في الألعاب الرياضية، ولكن للمحكمة أن تخفض مقدار هذا الرهان إذا كان مبالغا فيه. 2- ويستثنى أيضا ما رخص فيه من أوراق اليانصيب".
فضلا عن ذلك بطلان كل التزام سببه دين المقامرة أو المراهنة بقوة القانون، ومن ثم بطلان كل ما يجري من اعتراف ومصادقة على ديون يكون سببها المقامرة أو المراهنة في تاريخ لاحق لنشوئها، فضلا عن ذلك بطلان السندات التي تحرر لإثبات هذه الديون ولو جعلت لأمر الدائن، بل اكثر من ذلك يعطى الحق في استرداد ما أدي تنفيذا لدين مقامرة، وضيقت من مجال المراهنات بالنسبة للألعاب الرياضية.
ومن وجهة نظرنا يجسد الاستثناء الوارد في المادة (976) من القانون المدني تناقضا مع الوثيقة الدستورية في العراق ولا ينسجم مع النصوص القانونية الأخرى ذات الصلة، وبما يسمح للسلطة المختصة بتأويل النص القانوني خلافا لمحتواه، ومن ثم تحويل الموضوع من تجريم للقمار إلى مجرد تجريم إدارته سواء أكان بترخيص من عدمه.
وعلى هذا الأساس رتب المشرع العراقي في قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 العقوبات على حالات مهمة للغاية في المادة (389) منه التي نصت على أنه "1 – يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من فتح أو أدار محلا لألعاب القمار وأعده لدخول الناس، وكذلك كل من نظم ألعابا من هذا القبيل في محل عام أو محل مفتوح للجمهور أو في محل أو منزل اعد لهذا الغرض. 2– ويعاقب بالعقوبة ذاتها صيارفة المحل. 3– ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على شهر أو بغرامة لا تزيد على خمسين دينارا من وجد يلعب القمار في المحلات المذكورة في الفقرة (1). 4- تضبط النقود والأدوات التي استعملت في اللعب ويحكم بمصادرتها. 5- وللمحكمة أن تحكم أيضا بإغلاق المحل لمدة لا تزيد على سنة "، وكان الأجدر بالمشرع العراقي أن يجعل غلق المحل نهائيا وليس لمدة محددة كونها تمارس أنشطة محظورة تتعارض مع سياسة المشرع الجنائية وأحكام الشريعة الاسلامية.
كما ويؤخذ على موقف المشرع العراقي من نص المادة (389) من قانون العقوبات أنه ميز بين المقامر وبين من يدير محلا للمقامرة ويقبل فيه الجمهور دون إذن من السلطات بعقوبات ضعيفة للغاية، كما أنها لا ترقى إلى مستوى العقوبات الرادعة، وأضحت متقادمة وغير قادرة على استيعاب التحولات الكبرى التي شهدتها صالات القمار، ومن ثم لم يعد النص القانوني قادرا على مواكبة حجم وخطورة ما يجري في الكازينوهات من تداول أموال ومبالغ ضخمة وما يصحب ذلك من إخلالات كبرى تمس النظام العام والآداب العامة.
ولعل غياب الانسجام بين النصوص القانونية آنفة الذكر هو ما جعل المعني بالتطبيق يقوم بتفسيرها أو تكييفها بطريقة غريبة، ويميز فيها بين القمار، والألعاب الرياضية كسباق الخيل أو الجمال أو كرة القدم مع تحديد شروطها القانونية، وأصبح هناك ملاذا للفرار من العقاب وفقا لهذا التمييز، بين ما يندرج ضمن ما يعرف بالقمار، وبين ما يعد نوعا من الألعاب والرهانات التي ينظمها القانون، إذ اعتبر في هذه الحالة أن الألعاب المتداولة في صالات القمار، تخضع لمقتضيات تنظيمية تؤطر لهذا النوع من الألعاب المحظورة في العراق، حيث إن البعض منها تتم في إطار شركات تجارية يتم تسييرها وتدبيرها وفق ضوابط مسجل الشركات في العراق وأن جزء مهما من الأموال التي تروجها هذه الشركات، تخصص لمشاريع تنموية خاصة بتمويل وتسيير الألعاب الرياضية.
لكن ما الحكم بالنسبة للألعاب الإلكترونية المتداولة عبر شبكات الانترنت التي تمارس لأجل الرهانات؟ في الواقع سكت المشرع العراقي عن تنظيمها إذ لا يشملها منطوق المادة (389) من قانون العقوبات العراقي، حيث تمارس في إطار فراغ قانوني يتمثل في أنها تمارس بكيفية تختلف عما ورد في المادة المذكورة، الأمر الذي يتطلب تقنينها وتنظيمها، كي لا تفلت من رقابة الدولة، في إطار مهمتها في الحفاظ على الأخلاق والآداب العامة.
أقرأ ايضاً
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي