- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أمتحـان البكالوريا: الحقيقة المزيفـــة
حجم النص
بقلم:الباحث والاكاديمي احمد الجعفري ان الاطلاع على حقيقةالامتحانات العامة في العراق (البكالوريا) يعد لامر في غاية الاهمية لان وزارة التربية استخدمتها منذ مئات السنيين كمعيار لمنح شهادة تخرج الطلبة من المرحلة الاعدادية من جهة, وكمعيار لقبول الطلبة في الجامعات العراقية من جهة اخرى. يعود اسم امتحان الباكالوريا الى منظمة دولية تسمى (المنظمة الدولية للبكالوريا) والتي تأسست في عام 1968. هذا المنظمه مسؤولة عن تقديم خدمات البكالوريا في جميع انحاء العالم وترعى الاف المدارس والمناهج الدراسية والامتحانات. توفر هذه المنظمة ثلاثة برامج تعليمية للبكالوريا مقسمة على ثلاثة مراحل عمرية,اهمها هو مايعرف ببرنامج (دبلوم بكالوريا) والتي تكون في المرحلة العمرية من 16 الى 19 سنة. يوفر برنامج (دبلوم بكالوريا) تعليم متكامل عالي المستوى تشترك فيها عناصر متعددة كالمناهج الرصينة والمحتوى المتكامل وطرق التدريس الحديثة والفعالة, جميعها تتوفر بثلاث لغات وهي الانكليزية والفرنسية والاسبانية. يركز البرنامج على المتعلم بشكل اساسي من خلال تزويده بمهارات عديده منها مهارات التعلم المعرفية وحل المشكلات والعمل الجماعي والاستكشاف, كما يجب ان يتعلم الطلبة لغتيين عالميتين على الاقل خلال فترة البرنامج.و يركز البرنامج على العمل ضمن نطاق التعليم الدولي الذي هو بدوره يركز على القيم واحترام المجتمعات كجانب من جوانبة المهمة. كما يقود عملية التعليم في المدارس,معلمين ومدراء على مستوى عالي من التدريب والتحصيل الاكاديمي من اجل المساعدة في ايصال المعرفة للطلبة ضمن برنامج البكالوريا. اما من حيث الامتحانات, فيخضع الطلبة الى امتحانات البكالورياالعامة والتي تقيس المهارات المعرفية العليا للطلبة ومدى قدرتهم على فهم وتحليل وتطبيق محتوى مواد دراسية تتضمن معلومات متعددة ومتنوعة. اما المواد الدراسية فهي: اللغات, الرياضيات وعلوم الحاسبات, العلوم الاساسية والعامة, الادب,و العلوم الانسانية. كما على الطالب الممتحن ان يكتب مقالة علمية او ادبيه عالية المستوى. فضلاً عن اخضاع الطلبة لامتحان نظري وفقا لنظرية المعرفة والتي من خلالها يخضع الطلبة لاسئلة عديده تتمحور عن (كيف الطلبة يعرفون انهم يعرفون). فضلاًعن ذلك, يتم تقويم الطلبة في مجالات الابداع والمبادرة والخدمة والتي جميعها تتمركز حول خدمة المجتمع. بعد هذا الوصف البسيط عن برامج البكالوريا وامتحاناتة, نستنتج ان مايوجد في العراق من امتحانات عامة ليست لها علاقةبامتحان البكالوريا لا من قريب ولا من بعيد كما يظن البعض. هذه الحقيقة المزيفة الي نعيشها منذ سنين طويلة والتي كنا نظن اننا نخضع فعلاً لامتحان البكالوريا الدولي او على الاقل مشابة له في بعض جوانبة. اذن ماهي الاختبارات العامة في العراق؟ يبدوا من المنطقي جداً ان نتعرف على طبيعة الامتحانات العامة في العراق لأنها هي المعيار الحاسم في تحديد مستقبل الطلبة. الاختبارت العامة في العراق (البكالوريا كما يطلق عليها)هي اختبارات تحصيلية تقيس المستويات المعرفية الدنيا والتي تركز على الحفظ والاكتساب والتذكر من دون غيرهم من المهارات الاخرى. اي بمعنى اخر هي تركز بشكل كامل على قياس اكتساب محتوى المنهج (بطريقة الحفظ) لدى الطلبة بعكس الاختبارات الاخرى في الدول المتقدمه والتي تقيس المستويات المعرفية العليا والتي تركزعلى مهارات التعلم وحل المشكلات والابداع وغيرها من المهارات. ان الاسئلة التقليدية التي تطرحها هذه الامتحانات العامةالحالية في العراق هي غير قادره على قياس مستويات الابداع والتحليل والتركيب وحل المشكلات والتي يحتاجها الطلبه في دراستهم الجامعية. وخير مثال على مااقول: ان بعض الطلبة في المرحلة الاعدادية يتحصلون على معدل يصل الى 100% ويقُبلون في كليات الطب, ولكن المفاجأة عند تخرجهم من كليات الطب نرى معدلاتهم قد هبطت الى 60%و 70% وربما الطلبة الاجدر وهم قلة بطبيعة الحال, قد يتحصلون على 80 % كمعدل اعلى. فبماذا يمكن ان نفسر هذه الظاهرة؟ هل ان مستوى العلوم وطرق التدريس التي تتمحور حول عملية التعلم في كليات الطب هي اعلى من مستوى ذكاء الطلبة؟ اذا كان كذلك فلماذا يقُبل هؤلاء الطلبة منخفضي القدرات في كليات تفوق قدراتهم الذهنية؟ ام ان المناهج الدراسية وامتحان الباكالوريا في مرحلة الاعدادية لاتوازي المستوى الاكاديمي في كليات الطب؟ فكلاهما مشكلة حقيقية يجب التوقف عندها. بعد التعرف على ماهية امتحان البكالوريا الدولي والتعرف على ماهية الامتحانات الحالية في العراق, لماذا نسمي الامتحاناتالعامة الحالية التي تشرف عليها وزارة التربية بالبكالوريا؟ خاصةً اذا ماعلمنا ان اقرب نقطة للتشابة بعد المقارنة بين امتحان البكالوريا الدولي والامتحانات العامة في العراق (البكالوريا) هي غير موجودة في الواقع. حتى ان امتحان البكالوريا الدولي لايعُتمد كمعيار للقبول في الجامعات كما هو الحال في العراق. ما يثير هذه التساؤلات حول حقيقة امتحان البكالوريا هو ان العراق مصنف بجانب لبنان وسوريا من الدول الأسيوية التي تستخدم امتحان البكالوريا في مدارسها!. وهنا لابد من ان نطرح تساؤلات تحتاج الى اجابات صريحة منها:هل ان العراق كان يطبق امتحان البكالوريا في سبيعينات وثمانينيات القرن الماضي بالتعاون مع المنظمة الدولية للبكالوريا وبعد ذلك تم ايقاف العمل به؟ اذا كان كذلك لماذا تم ايقاف العمل بامتحان البكالوريا الدولي؟ مع اني لم اجد دليلاً واحداً على ان العراق كان يطبق البكالوريا الدولية. كهذا نوع من الامتحانات العامة الغير فعالة والذي تستخدمها وزارة التربية لتحديد مستقبل الطلبة المهني لاتُستخدم في كثير من الدول على انها المعيار فيتحديد قبول الطلبة في الجامعات, بل تستخدم كمعيار في عدة مجالات منها: تستخدم كشهادةتخرج من المرحلة الاعدادية (دبلوم), تحديد مستوى الاداء للمدارس, تحديد نقاط القوة والضعف في المناهج الدراسيه, تحديد جودة التعليم, استخدام بياناتها في مكافأة المدراء والمعلمين المتفوقين, وكذلك مطابقة الاهداف التعليمية مع النتائج المتحققة (التقويم). في دراسة وصفيه اجريتها بوصفي باحث من العراق في عام(2014)وبمشاركة زملاء باحثين من ست دول اخرى وهي امريكا, كوريا الجنوبية, الصين, الاكوادور, اندونيسيا, والسعودية , وجدنا ان جميع الدول الست المشاركة في الدراسة ماعدا العراق لديها امتحانان وهما: امتحان التخرج من المرحلة الاعدادية (شبيه تماماً لامتحان العراق) والامتحان الثاني هو امتحان القبول في الجامعات. حيث ان امتحان التخرج من الاعدادية يخضع لسلطة وزارات التربية في تلك الدول ومن قبل حكومة الولاية في امريكا. اما امتحان القبول في الجامعات, اما ان يدار من مؤسسات خاصة , مؤسسات حكومية مستقلة ,او من قبل الجامعات نفسها التي تحدد معايير القبول. نحن اليوم بحاجة ماسة الى حزمة من التغييرات فيما يتعلقبالامتحانات العامة في العراق, وعلى راسها تغيير الامتحان الحالي (البكالوريا) من امتحان يحدد قبول الطلبة في الجامعات الى امتحان يحدد أهلية الطلبة في الحصول على شهادة الاعداديه فقط واستخدام بياناته لتقويم عملية التعليم في وزارة التربية من جهة. والعمل على ايجاد امتحان جديديحدد القبول في الجامعات العراقية كما هو معمول فيه في الدول الاقليمية والدول العالمية من جهة اخرى. لماذا نحتاج الى امتحان القبول في الجامعات؟ ربما هذا السؤال قد يتبادر الى اذهان القراء والمتابعيين. ببساطة ان الاجابة على هذا السؤال هو ان امتحان القبول الجامعي يقيس المستويات العليا من المهارات المعرفية وهو قادر على تحديد أهلية الطلبة في القبول في كلية ما وفقاًلمتطلباتها الخاصه للقبول. فلا يمكن ابداً لطالب (تم قبولة عنوةً في كلية الطب اعتماداً على امتحان قاس المهارات الدنيا للطالب) ان يتخرج من كلية الطب بمعدل 50% او 60% ويسمح له بمعالجة مرضانا ويجري العمليات لهم ويشخص العلاج. اذا كان طالب قد تحصل على 50 % من المعلومات فقط, فاين ذهبت الـ 50% الاخرى؟ وكذلك الحال بالنسبة للمهندس والمعلم وغيرهم.هذا يعبر بوضوح عن ان الطلبة غير مؤهلين لدخول كهذا نوع من الكليات, او على الاقل ان الامتحانات الحالية التي تديرها وزارة التربية لاتؤدي وظائفها فيما يخص تحديد أهلية الطلبة لدخول كليات تتناسب مع قدراتهم الذهنية. في الولايات المتحده مثلا, اذا ما اراد طالب ان يدرس في كلية الطب فعليه اولاً ان يدرس بكالوريوس علوم بعد المرحلة الاعدادية ومن ثم عليه ثانياً ان يخضع لامتحان القبول في كليات الطب يسمى (امكات). اما بالنسبة للطالب المتقدم للدراسه في كليات الادارة والاقتصاد عليه ان يجتاز امتحان يدعى (الجيمات) والمتقدم للدراسات العليا عليه اجتياز امتحان يسمى (جي ار اي). كذلك الحال في بريطانيا والمانيا وفرنسا واليابان وكوريا الجنوبيه وغالبية الدول المتقدمة لديها امتحانات تعتبر هي المعيار لقبول الطلبه في الجامعات من عدمه.جميع هذه الامتحانات تعتمد على وضع الطلبة في مشكلات معينة وعليهم ايجاد حلول لتلك المشكلات, وتحتوي على اسئلة تتحدى القدرات الذهنيه للطلبة. وكذلك عليهم كتابة مقالات تتطلب مهارات عالية المستوى كالفهم العالي والتحليل والتركيب والاستنتاج. اما في العراق فالطالب يتم قبولة في كليات الطب والهندسة اعتماداً على امتحان يعتمد على (قارن, علل, طابق, و الصح والخطأ)
أقرأ ايضاً
- الحقيقة ليست في الصورة
- مشروع داري.. بين الحقيقة وتسويق الوهم - الجزء الثاني
- مشروع داري.. بين الحقيقة وتسويق الوهم