- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حين (يدافع) المحامي بالبندقية!!
حجم النص
بقلم:فالح حسون الدراجي يدافع المحامي عن الحق (عادة)، بلسانه وحججه القوية وشهوده، ومستنداته وأدلته الدامغة، وبالتأكيد فإن ميدان المحامي الدفاعي، هو ساحة القضاء لا غير. وبالتأكيد ايضاً فإن نجاح المحامي في دفاعاته بالمحاكم ليس مضموناً. إذ ربما ينجح أحياناً أو يفشل، خاصة عندما تكون جبهة الباطل متسلحة بقوة السلطة والمال والمحسوبية. ولا أظن أن المحامين في كل ساحات المحاكم في العالم يملكون غير هذه الوسائل القانونية سلاحاً في دفاعهم عن الحق، والعدل، وحقوق المظلومين. لكن السلاح سيختلف حتماً، حين يكون الحق وطنا يتصارع الطامعون والسافلون على تقسيمه، وأساليب الدفاع ستتغير دون شك حين يرى المحامي أن العدل الذي يدافع عنه لم يعد رمزاً قضائياً، وقانونياً فحسب، إنما بات (مدناً) تحتل من قبل شذاذ الآفاق. وإن ميدان المحامي الدفاعي سيتغير حين يرى أن قضية حقوق المظلومين الذين يدافع عنهم، أصبحت قضية حياة أو موت، وليست قضية حقوق مادية أو معنوية مغتصبة فحسب. بمعنى أن الظلم بات اليوم يستهدف أناساً أبرياء، يذبحون على الدين، أو المذهب، أو ربما على الاسم. وحين يصبح الإنسان نفسه في خطر شديد (وهو أثمن رأسمال)، كما يقول كارل ماركس، فما نفع المطالبة والدفاع عن حقوقه وأمواله وأملاكه، إذا كان رأسه مقطوعاً بسكين عمياء؟ وفي هذه الحالة يجب أن تتبدل الصورة، فيغير المحامي وسائله الدفاعية، وينتقل من ميدانه التقليدي القانوني المعتاد الى ميدان الحرب أو الى الميدان القريب من المواجهة المسلحة مع العدو، خاصة بالنسبة للمحامين الشباب، القادرين على حمل البندقية، وحمل القضية في ارواحهم، أولئك الممتلئين بضياء الشهادة، قبل أن يتوجهوا الى القتال، ويستشهدوا دفاعاً عن الوطن، وعن القضية المقدسة. وهذا ما فعله المحامي الشاب أحمد ناصر السوداني، الذي وجد أن القضية باتت بعد جرائم داعش أكبر من موضوع المرافعات، وأهم من الوقوف بين القاضي وقفص الاتهام.. فخلع الفتى الروب الأسود، الذي يعتز به كثيراً، والذي حلم بارتدائه سنوات طويلة، ليرتدي بدلة الفداء، ويتوجه الى صفوف الحشد الشعبي بأول أيام تأسيس الحشد، تاركاً خطيبته العفيفة وهي تدعو له في كل صلاة، ومودعاً أهله، ومدينته (مدينة الشعلة)، وناسها الطيبين، ملبياً ببسالة نداء المرجعية، ومنتمياً لقوات (وعد الله)، لواء الشباب الرسالي حاملاً بصدره كلمات أبيه: (بيِّض وجهنه الله يبيض وجهك) فعاد ملفوفاً بعلم العراق المقدس، وكأنه يقول لأبيه: (بيّضت وجهك بويه)!! ولما كان الشهيد البطل احمد ناصر السوداني جندياً سابقاً له خبرة في الشأن الهندسي، ومتعلماً بشكل متقدم، وقوياً، شجاعاً لا يهاب الموت، ولا يتراجع عن الخطر، فقد تم تعيينه آمراً لسرية الجهد الهندسي في قوات وعد الله في مدينة سامراء، حتى استشهاده في غرب سامراء، منطقة خط اللاين، بعد أن حقق انجازات كبيرة في رفع الكثير من العبوات، والألغام، والمتفجرات من الطرق والمباني التي يتم تحريرها، وقبل ذلك فهو مقاتل بالبندقية، قاتل في مناطق الرمادي وجرف الصخر والگرمة وسامراء وغيرها. وهو مسؤول عن الجهد الهندسي في قوات وعد الله بسامراء أيضا. وقبل أن اختم مقالي عن هذا البطل، وددت أن أذكر ملاحظتين أدعو في احداهما نقابة المحامين العراقيين الى نصب تمثال في باب نقابة المحامين لهذا المحامي الشجاع، الذي وجد غايته في بيت أبي تمام الشهير: (السيف أصدق إنباء من الكتب)، فحمل سيفه ومضى الى ساحات الوغى مقاتلاً ومدافعاً عن يقينه حد الشهادة فأخرس بدمه الطاهر الشريف كل من اراد النيل يوماً من شجاعة المحامين العراقيين، الذين يزدحم تاريخهم الوطني بالمآثر الفذة، والبطولات الخالدة، ويكتنز بصور الكفاح الوطني، وما وثبة كانون المجيدة وسجون الدكتاتورية (ونگرة السلمان)، ومشانق السلطات الفاشية، التي تشرفت بأعناق المحامين العراقيين المناضلين إلاَّ شواهد حيَّة على نصاعة تاريخ المحامين العراقيين. أما الملاحظة الثانية، فقد قرأتها في بيان النعي الذي أصدرته قوات وعد الله لواء الشباب الرسالي، وبقيت راكزة في ذهني حيث جاء في البيان: (أن الشهيد احمد ناصر السوداني لم يتقاض راتباً منذ سنة..)!! وهنا ابحث عن مترجم للمعنى السامي في هذه الجملة.. ليقول لنا: ما معنى أن يتطوع (محامي) عراقي شاب، لم يتزوج، محامٍ ناجح، متوفرة امامه فرص العمل المثمر، ويذهب الى الحرب مقاتلاً، ثم يرفض أن يأخذ فلساً واحداً منذ سنة..!! أنا شخصياً لا أملك غير جواب واحد، أقول فيه: إذا كان للعراق من مفخرة يفتخر بها، ومباهاة يتباهى بها أمام الدول.. فاحمد ناصر السوداني مفخرته.. بل ومفخرتنا نحن العراقيين جميعاً..
أقرأ ايضاً
- حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه" !!
- حين تُستودع مصائر الكبار لدى أمزجة الصغار !
- حين انتصر الدم على السيف