- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لمحة تراثية .. حين يكون الشعر محاربا
بقلم: حسن كاظم الفتال
في عام ١٩٩٤ فما بعدها كان اللا نظام المباد يعاني من انهيار في العنجهية والغطرسة التي اعتاد عليها قبل ذلك أو ربما كان ينعت بأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة. مما وفر للمعنيين بالشأن الحسيني أدباء وخطباء ومنشدين فسحة مكنتنا من التحرك بحرية أو باتت أشبه بمتنفسٍ نمارس به شعائرنا.
عندها راودتني فكرة معينة فذهبت إلى الأخ الخطاط (السيد ثامر الموسوي) لأقترح عليه ان يخط بعض الأبيات الشعرية من قصائدي بحق العترة الطاهرة. فوافق على الفور بل رحب بالفكرة وأسرع لإحضار مختلف الوان الأقمشة وبدأ بالخط. وكل يافطة تحمل بيتا أو بيتين من الشعر وبالخط العريض بعضها مزخرفة مزركشة.
وكان اول ظهور للافتات في فندق الأمراء بنية إقامة احتفالية ضخمة بمولد الإمام الحسين صلوات الله عليه المقترح من المرحوم صاحب الفندق (السيد كاظم عابدين). ولكن تم منعنا من ذلك من قبل جلاوزة النظام بعد أن تم إخبارهم من قبل عملائهم الحاقدين , وقد تحدثت يوما عن هذا الأمر في مقال سابق.
تم الإصرار على أن تنتشر هذه اليافطات التي تحمل الأبيات الشعرية في بعض المواقع او الشوارع المهمة. مثل شارع قبلة الإمام الحسين صلوات الله عليه وشارع صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. وشارع السدرة وأماكن أخرى وسوف أذكر أشهر الأبيات التي خطت وليس جميعها. وهنالك يافطة علقت على واجهة عمارة زين العابدين عليه السلام. قبالة باب السلطانية للصحن الحسيني الشريف. على واجهة العمارة التي كان محل سيد ثامر الخطاط فيها.
وفي ذات ليلة ونحن نقف على الرصيف تحت ظل اليافطة التي تحمل بيتين من الشعر أنا والأخ (خضر عوينات) أبو حيدر فرحين مستبشرين بذكرى ميلاد الإمام الحسين صلوات الله عليه والسيد ثامر يكمل (تعزيلته) يجمع الأغراض ليغلق محله ونتوجه لزيارة مرقد الإمام الحسين صلوات الله عليه وإذا بسيارة نوع (كورلا) من تلك التي كان من المعلوم لدى الجميع استخدامها من قبل عناصر الأمن. توقفت السيارة أمامنا وترجل منها شخص وهو مدير أمن البلدة آنذاك (م. ج) وأحد مرافقيه وتقدم نحوها بكل غطرسة وعنجهية واسترهاب إشرأبت إليها عنقه مشيرا لليافطة البيضاء قائلا: إلمن هاي اللافتة ؟ أجابه السيد ثامر للمحل. التفت إليه قائلا: جيبها وتعال للدائرة. ثم استقل هو ومن معه السيارة ومضوا. وكانت تلك (بشرى صاعقة).
وأنزل السيد ثامر اليافطة وطواها. وبينما نحن نلتفت يمينا ويسارا وكل منا يحدق بوجه الآخر وبكل صمت وحيرة ورعب وخوف مما سيحصل لنا وإذا بالسيد (يوسف الحبوبي) الذي كان يشغل منصب قائمقام المدينة. جاء وهو يمازحنا ويسأل عن موضوع كنا قد تحاورنا به في الصباح. فالتفت إليه أحدنا قائلا: سيدنا يا موضوع يا مصيبة ؟ فقال: خير ؟ يا ستار. قصصنا عليه القصة.
فقال لسيد ثامر افتح اللافتة وقرأ ما مخطوط فيها من الشعر بيتين هما:
مرحى بمقدمِ نورٍ قد اضاء لنا ** درباً نسير به لا نختشي اللوما
قد كان نورك مخلوقا من الأزلِ ** وسوف يبقى وإن ذا الكون قد هُدِما
فحملا اليافطة وذهبا لمكتب مدير أمن البلدة وبعد مناقشات طويلة استغرقت من الساعة الثامنة مساءً حتى الساعة الثانية عشرة ليلا.
خرج السيدان ثامر الموسوي ويوسف الحبوبي.
وأخفيت اليافطة كما أخفي الذين من قبلها.
وأشهر ما قال مدير أمن البلدة آنذاك وهو غاية في التشنج: (أن هنالك شعراء يكتبون الشعر ولكن (ينغزون بلؤم))
وأذكر أن أحد الإخوة المثقفين قال حينها لو لم يترك هذا الشعر أثرا مهما لما أنزلوه.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً