بقلم: حسن كاظم الفتال
الثعلب: حيوان ماكر محتال يتلون بتلون الظرف أو الحدث يصفه الواصفون بأنه ذكي ماهر يروغ ويراوغ ويحترف المكر ويتحين الفرص ويعتمد الإحتيال ليفترس ويصطاد ويعيش شبعانا متلذذا كما يريد .
ومما يتميز به الثعلب أنه يخرج للصيد وحده ولا يتربص للفريسة ولا يهجم عليها أنما يتأنى ليتعرف على طبيعة فريسته ويستخدم كل ما عنده من مهارة بمكر واحتيال وذكاء حتى يتمكن من صيده بكل ارتياح ويبدو أنه يتظاهر بالغرور حين يتلمظ بعد تلذذه بأكل الفريسة فيرفع رأسه و(يعوعو) بصوته .
لذا فإن الإمام الحسين عليه السلام لما سئل عن معاني ما تقول الحيوانات ساعة ترفع اصواتها فقال كذا وكذا حتى وصل إلى معنى صوت الثعلب فقال صلوات الله عليه : وإذا صاح الثعلب يقول: الدنيا دار غرور.
وأما الإمام زين العابدين عليه السلام فحين يصنف الحيوانات ويصف طبائعها مسترسلا في كلامه صلوات الله عليه قائلا : وأما الذئب فتجاركم يذمون إذا اشتروا، ويمدحون إذا باعوا، وأما الثعلب فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم ولا يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم.
يبدو أن بعض الأفراد تستهويهم طباع الثعالب فيرون في أنفسهم أحقية تقليد الثعالب في الممارسات إذ هي تحقق الكثير من الطموحات فيسعون لتقليد الثعالب بالمكر والدهاء وبما هم يعدونه ذكاءً .
هذه الصورة أوجدتها في مخيلتي ممارسات وتصرفات بعض الأشخاص .
ثمة افراد حين تعاصرهم وتتعايش معهم ترى فيهم صورة الثعلب ناصعة التماثل وإن توغلت في طباعهم تجدهم وكأن طينتهم عجنت بالإزدواجية . وسُخنت بنار التزلف وحُمِصَت حتى التملق الصرف.
أوقف أحدهم يوما أميرا وإنهال عليه بالثناء والمديح فلم يلتفت إليه ذلك الأمير ولم يكرمه فعاد ليقول الحقيقة فيه .فقال : سجدنا للقرودِ رجاء دنيا ** حوتها دوننا كفُ القرودِ
فما انتفعت أناملنا بشيءٍ ** حصدناه سوى ذاك السجود
بعض المرؤوسين يجسدون هذه الصور
فتجد موظفا بائسا متزلفا يقف أمام المسؤول فينهال عليه بالثناء والمديح ويبالغ بوصفه كذبا بما ليس فيه .
وحين لا ينصفه المسؤول الممدوح أو يتجاهله . أو يُستَبدل بمسؤول آخر غيره .
يقف هذا الموظف نفسه ليبالغ بالذم والتشهير والوصف كاذبا للمسؤول نفسه فيصفه بما ليس فيه .
ليستعد لمدح المسؤول الجديد .
ولعل ذلك أيقظ في ذاكرتي وحيا شعريا لأقول يوما في قصيدة لي طويلة أنتخب منها موضع الشاهد :
تعيب الثعالب غدر الذئاب ** ورب ذئاب هي الأنبلُ
فدنيا بها يسخر الثعلبان ** من الذئب أو منه يستشكلُ
وإن شملت كل ما أبتغي ** فأفٍ على كلِّ ما تشملُ
وغالبا ما نلاحظ تصالحا وعلاقة وطيدة بين الذئاب والثعالب .
ليتبادلا الاكتساء والأدوار .ويتبادلا الذم والمدح .
أقرأ ايضاً
- حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه" !!
- حين تُستودع مصائر الكبار لدى أمزجة الصغار !
- حين انتصر الدم على السيف