- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
غلاء المهور إهانة لقدسية الزواج
حجم النص
بقلم/ عزيز الابراهيمي ذكر الطباطبائي في ميزانه عند تفسير قوله تعالى (وأمر بالعرف) ما نصه: " والعرف هو ما يعرفه عقلاء المجتمع من السنن والسير الجميلة الجارية بينهم بخلاف ما ينكره المجتمع وينكره العقل الاجتماعي من الأعمال النادرة الشاذة", وقد ذكر المرحوم محمد متولي الشعراوي تعريفا جميلا للعرف مفاده: " هو ما تعرف العقول صوابة, وتطمئن اليه النفوس, ولا يخالف شرع الله". تأخذ الأعراف حيزا كبيرا من حياة مجتمعنا, وتؤطر اغلب العلاقات بين افراده, وهي نتاج الثقافة السائدة فيه, فقد تتعارض في قسم منها مع الشريعة, وقد تتوافق, ويمكن حصرها في ثلاث أصناف؛ أولها ما يخالف العقل السليم و الشريعة المقدسة, ومن امثلتها ظواهر غسل العار, والتي تحدث في اغلب الأحيان على الظن والشبهة, اما الأخر فيخلوا من مخالفة العقل والشرع, اذ يندرج ضمن الممارسات المباحة, لكنه يرهق حياة الناس, ويحول دون سعادتهم, ومن أمثلة ذلك الولائم التي تقام في مجالس العزاء, وغلاء المهور, وغيرها كثير, أما الأخير فيكون مما يدعوا إليه العقل والشرع, كشدة محافظة الرجل على أهله ورعايته لهم. لعل الصنف الثاني من أكثر الأصناف التي يعاني منها المجتمع, فلكونه يقع في دائرة المباح فانه يشهد نموا مستمراً وسريعاً, تبعا لسرعة الحضارة, وتبدل الأذواق, التي يعج بها واقعنا اليوم, فمنشأ العرف فكرة مقبولة, ينتج عنها ممارسة معينة, ثم يأتي دور التكرار ليثبتها ضمن قائمة الاعراف الاجتماعية, ولكن الحال لا يبقى كما هو, اذ إنها تخضع لمتغير آخر, وهو الإفراط الذي يكسوها من خلال التطبيق, لتصبح بعد فترة وجيزة من الأمور التي يأن المجتمع تحت وطئتها. المهور من الأمور التي لم تحددها الشريعة, بل تركتها الى العرف الاجتماعي يضبطها بحسب وجود الإمكانيات, والوضع ألمعاشي العام, لكنها عمدت الى إشاعة ثقافة قلة المهور, وقرنتها بالبركة, فصارت بحسب الشريعة معيار الأفضلية في النساء, فقد روي عن النبي الاعظم (أفضل نساء امتي أصبحهن وجها، وأقلهن مهرا) وذلك لان رباط الزوجية رباط مقدس, ليس للأمور المادية الا توفير الضروريات, بالمقدار الذي لا يخلق منها عقبة في طريق هذا البناء الإلهي العظيم فقد ورد في الحديث " ما بُني بناء في الاِسلام أحبُّ الى الـ.. عزّ وجل من التزويج". لو القينا نظرة متفائلة, عن واقع المهور اليوم, لألفينا ان اقلها؛ يبلغ المقدم فيه خمسة ملايين دينار و المؤخر كذلك, فضلا عما يعطى لها تحت بدعة (بايدها)... دعونا نأخذ حالة مثالية, لنرى هل تتوافق تلك المهور مع متوسط دخل الفرد العراقي اليوم, وليكون مثالنا معلم تخرج للتو, وتعين على ملاك وزارة التربية, براتب 600 الف دينار كحد أقصى, كم يحتاج هذا الشخص من سنين حتى يستطيع جمع مقدم المهر لزواجه, مضافا إليه النفقات الأخرى, من الأثاث, والولائم وغيرها؟ والسؤال الأكثر أهمية, فيما لو انفق هذا المسكين ثلاث إلى أربع سنوات من عمره في جمع هذا المبلغ, هل يفكر في اختيار مثيلته في العمر, أم يعمد الى اختيار من تصغره بأربع الى خمس سنوات؟ الأمر الذي يراكم من أعداد العوانس في المجتمع, بشكل يدعوا للفزع, ليبقى السؤال الأكثر إلحاحاً, كم نسبة الشباب الذين يجدون فرص عمل تؤهلهم لجمع تلك المبالغ؟. الإرادة الصادقة, النابعة من الحرص على المجتمع, لو توفرت لدى كبار السن ومن بيدهم الحل والعقد, من الوجهاء, ورجال الدين, يساندهم في ذلك وسائل الإعلام والمثقفين, فإنهم قادرون على خلق عرف يستمرئ المهور القليلة, ويحول دون عزوف الشباب عن الزواج, وبذلك نساهم في وجود مجتمع لا تسوده العقد النفسية, والانحرافات والظلامات.