حجم النص
بقلم:حيدر مرتضى التكمجي. حسناً دعونا نستبق الاحداث قليلاً.. فنظراً للبيئة المعادية التي يقع العراق في بؤرتها اليوم، يصبح من الذكاء أن نفكر معاً خطوتين إلى الامام. فـ (ماذا بعد داعش)، سؤال على بساطته تعكس الاجابة، مستوى التفكير الاستراتيجي لسياسينا، هذا التفكير الاستراتيجي أو عدمه، هو الذي أوصلنا إلى هذه النقطة أو المرحلة في مسيرة حياة العراق، (الحدث المسمى بداعش). دعونا نفهم فلسفة الاحداث. حتى نفهم حركة التاريخ وسيرورة الاحداث (كيف سارت)، وصيرورتها (وإلى ما آلت إليه) نقول إن الاحداث.. يا سيدي العزيز.. هي مجموعة من الحلقات المتتابعة المنطقية! التي تشكل قصة حياة أي مجتمع، فالحديث عن حياة أي مجتمع هو الحديث عن مجموعة أحداث والأفراد الذين ساهموا بقراراتهم تشكيل الاحداث، وبالتالي تشكيل التاريخ وحاضر مجتمع ما. وأنا أقول منطقية، وأشدد عليها، لأن البعض قد يرى عدم موضوعية ومنطقية بعض الاحداث؛ ولكننا إذا بحثنا عن جذور أي حدث، فسنعرف لماذا وقع هذا الحدث، وكيف تكون ومن هم الافراد الذين ساهموا في تشكيلهِ. يرى الفلاسفة أن حركة التاريخ يمكن توقعها، والتنبوء بمسارها، وبتالي تحديد ملامح المستقبل، فالاحداث تؤثر في طبيعة الاحداث المتلاحقة بعدها، وهذا ما يطلق عليه في علوم الاحصاء بـ (الأحداث المعتمدة)، اي الاحداث التي تعتمد على الاحداث التي قبلها وتتأثر بها. وهذا ما يؤيده علماء المنطق، حيث يقولون إن (النتيجة من جنس المقدمات). وفي الحقيقة فإن قانون (السبب والنتيجة)، هو قانون إلهي، يمكننا ملاحظته في جميع مفاصل الكون والحياة، ونحن كمجتمع شرقي إستطعنا بالفعل أسثتمار هذا القانون أو المبدأ بمهاره في تحليل تاريخنا وماضينا. فنحن نعلم أنه لولا (حدث السقيفة)، لما قتل الإمام الحسين عليه السلام في (حدث كربلاء). ولكننا للأسف – كما أرى – قد فشلنا في الاستفادة منه في تحديد ملامح مستقبلنا. لقد غفل العديد من قادتنا السياسيون هذا المبدأ عند أتخاذهم لقرارات مصيرية، التي اتخذوها في وقت ما من الماضي، هذه القرارات، التي كان كل منها إيذانا ببدء سلسلة الاحداث، وصلت بنا إلى ما نحن عليه اليوم، تلك القرارات التي أستطيع أن أصفها بـ (الفردانية) أكثر منها بـ (إستراتيجية). فالقرارات الاستراتيجية هي القرارات التي يسعى متخذُها إلى تحقيق أهداف معينة بفترة زمنية معينة، من خلال دراسة مجمل الظروف والعوامل الداخلية والخارجية. فعندما يكون لدينا هدف بناء دولة قوية مقتدرة، تتمتع بالسيادة والاحترام الدولي، وتوفر لمواطنيها الرفاهية والحياة الامنة. فإن ذلك يتطلب منا دراسة العوامل الخارجية المتمثلة: بالفرص والتحديات، فالعراق يقع في بيئة معادية جداً، وهذا تحدي لا يمكننا بناء الدولة دون أخذه بنظر الاعتبار. أما الفرص، فهي مثلاً: أمتلاكنا للتأيد والاعتراف الدوليين، وهذه مجرد أمثلة. أما العوامل الداخلية، فتتمثل بنقاط القوة والضعف، فأمتلاكنا لثروة طبيعية، تعد نقطة قوة، وأما كون أقتصادنا أقتصاد ريعي – يعتمد على النفط فقط - فهي نقطة ضعف. وهكذا نرى أن السياسي العراق كان يجب عليه أن يراعي هذه الجوانب الاربعة (الفرص، التحديات، نقاط القوة، نقاط الضعف)’ ويأخذها بنظره أعتباره أثناء أتخاذ قرارته. للأسف فإن ما نلاحظه – أو على الاقل أنا شخصياً - أننا اليوم دولة منهكة بنقاط الضعف، أرتفعت نسبة التحديات والمخاطر التي تواجهنا، خسرنا جميع نقاط قوتنا، والفرص التي كان يمكننا أستثمارها في بناء دولتنا القوية والمستقرة. هذا كله لأن قادتنا السياسيين لم يتخذوا قرارتهم بشكل إستراتيجي، بقدر ما أتسمت به قرارتهم من فردانيه. إذا توصلنا إلى قناعة بضرورة التفكير الاستراتيجي المدروس، والبعيد المدى، والذي يأخذ بنظر الاعتبار الظروف والعوامل المؤثرة في إدارة البلد، فأعتقد أننا اليوم أما تحدي، أن نضع خطة أو أستراتيجية أو سيناريو أو بالاحرى سيناريوهات متعددة، لمرحلة ما بعد داعش؟! ألا يمكن أن نواجه، خلال الفترة المقبلة، تنظيم أشد وأعتى وأكثر خبرة قتالية وتكتيكية وأستراتيجية من داعش؟ كيف سنتصرف حينها؟ ماذا لو أمتلك هذا التنظيم طائرات نفاثة تضعه على مسافة ساعة واحدة من مدننا المقدسة؟ هل يكفي فقط أن نطور قواتنا القتالية الارضية؟ وماذا لو أمتلك الداعشيون أو غيرهم من الجماعات المسلحة، أسلحة كيمياوية أو بايولوجية؟! هل ستكون لدينا خطط بديلة؟ أم سنبحث في المعالجات في حينها؟ إن الحلول والاجابات الحقيقية، هي تلك الحلول التي يستطيع أن يضعها السياسي بالتشارك مع المحللين والمتخصصين في هذا المجال – وللأسف فإن الأخر يمتلك الكثير من هؤلاء المتخصصين والمحللين – ولعله هذا هو السبب الذي جعله متقدم علينا بخطوات. أتمنى فعلاً أن لا ننجرف اليوم وراء الظروف التي يفرضها علينا الاخر، ودوامة الاحداث المتسارعة التي يحاول أن يورطنا فيها، يجب أن نخصص جزء من مواردنا المالية والمادية والفكرية، لدراسة هكذا سيناريوهات محتملة لمرحلة ما بعد داعش! وإلا فلن ينفع الندم والاستنجاد بالاخرين..