حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ بديهيا ان من اولى مهام عمل أي برلمان من برلمانات العالم هو ان يكون طرفا فعالا في حل مشاكل البلاد فضلا عن دوره في الرقابة والتشريع واقتراح وتشريع القوانين التي تصب في الصالح العام وغيرها من الأمور والمسائل التي تتقرر وفق دساتير الدول التي تتخذ من الديمقراطية منهجا بنيويا في إرساء دعائم دولة مدنية متحضرة، وهذا الامر من المفترض ان يختص به البرلمان العراقي بحسب الدستور الذي رسم خارطة طريق مهامه وفعالياته وأنشطته وقد وضحت المادة (58) من الدستور العراقي تفاصيل عمل ومهام البرلمان المنوطة به والتي من أبرزها: (يختص مجلس النواب بما يأتي: اولاً:ـ تشريع القوانين الاتحادية.ثانياً:ـ الرقابة على أداء السلطة التنفيذية. ثالثاً:ـ انتخاب رئيس الجمهورية. رابعاً:ـ تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، بقانونٍ يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب) وغيرها من المهام الحيوية، ولكن أن يكون البرلمان نفسه طرفا في المشكلة المزمع حلها بتشريع قانون خاص بها لاسيما تلك المشاكل التي ينوء بها المشهد العراقي أي ان يكون طرفا في التازيم بدلا من ان يكون طرفا في "الحلحلة" فهذا يستدعي اكثر من وقفة نقدية وتحليلية ليس للحظة الراهنة بل للمستقبل لان العمل البرلماني العراقي (التشريعي والرقابي) قد تأسس وتمأسس على أعراف وتقاليد وانساق قد لا تكون مسبوقة في برلمانات العالم وكمثال "بسيط" على ذلك هو ان تستحيل بعض القوانين التي يكون البرلمان بصدد قراءتها او تقديمها للقراءة ومن ثم مناقشتها وتشريعها وإقرارها تستحيل الى أزمات او قنابل موقوتة مثل قانون التقاعد الموحد الذي وُلد بعملية قيصيرية متعسرة وبعد مخاض عسير فاستحال الى أزمة سياسية / جماهيرية طاحنة، وقانون الموازنة العامة الذي تحول هو الأخر الى أزمة سنوية أو موسمية دخلت في متاهات ودهاليز معتمة وقوانين اخرى تنتظر دورها في "التازيم" ومن ثم التدوير الى ما شاء الله اذا ما اعتبرنا ان أي قانون هو عبارة أزمة او مشروع أزمة في أحسن الأحوال كقانون النفط والغاز الذي ينظم انتاج وتوزيع وتصدير الثروات مابين الحكومة المركزية والأقاليم والمحافظات غير المرتبطة بإقليم، وقانون الاحزاب الذي بقي مركونا في الرفوف لسنوات دون تحريك ملموس، اما قانون البنى التحتية الذي لم ير النور لأسباب كثيرة تتعلق اغلبها بجوهر العملية السياسية نفسها والمماحكات والمناكفات السياسية التي لاتنتهي فهو يعتبر بارومترا حقيقيا يوضح الخط البياني لمنسوب التفاعل والتعاطي مع القوانين (الازمات) ناهيك عن تدوير عشرات القوانين الاخرى إما بالتسويف او العرقلة الكيدية المتعمدة او الترحيل القسري المستمر الى ما لانهاية لأسباب كثيرة منها ما يخص إكمال "النصاب" القانوني او عدم توفر "الأغلبية" المريحة ولأسباب تتعلق اغلبها بالمزاجات السياسية المتقلبة والمناخات الحزبوية المأزومة والمتشنجة فتصبح اغلب القوانين أشبه بالمؤجلة او المعلقة او متعثرة في دهاليز وكواليس البرلمان الى أن يأتي "الوقت" المناسب لاستخراجها وإعادة إنتاجها واستعادة مضامينها وأهدافها بحسب "ظرفها" واجندات شخوصها ومفاعيلها او بعقد صفقة سياسية معينة تتيح ذلك، او نتيجة للضغط الشعبي وحراك منظمات المجتمع المدني او دور المرجعيات الدينية ومتابعتها المباشرة او تأثير السلطة الرابعة في تحريك الرأي العام وتهيئة مناخ يساعد على تفعيل دور البرلمان في إقرار القوانين التي هي على تماس مباشر بحياة المواطن ومعيشته وأمنه ومستقبله. ويتعامل البرلمان العراقي مع الأزمات (القوانين) بثلاثة مستويات من التعاطي، الاول هو تدويرها داخليا أي ضمن الفصول التشريعية وداخل الدورة البرلمانية الواحدة بالتهرب او المماطلة او التسويف، والمستوى الثاني تدويرها خارجيا أي الى خارج الدورة التشريعية نفسها الى دورات تشريعية اخرى على "امل" ان تتغير الظروف او المعطيات او القناعات او الشخوص أي انها تدخل في سبات طويل الى حين تفعيلها بحسب ما يُستجد من "ظروف" او أحداث او قناعات, والمستوى الثالث وهو الأخطر وذلك بالتعاطي مع القوانين التي تأخذ طابعا ازماتيا حادا بإلغائها او تعطيل مفعولها تعطيلا تاما وهذا المستوى لايخلو كالمستويات الاخرى من التضاربات السياسية السلبية والتقاطعات الحزبية والمزاجات الأيدلوجية المبنية أكثرها وفق انساق شخصية او مذهبية او شوفينية او مناطقية وفي الكثير من الأحيان تكون درجة التازيم في التعاطي مع بعض القوانين وفق اجندات تتعلق بملفات وقضايا هي ليست من صلب السلطة التشريعية او لتعطيل نجاح اقرار قانون معين لكي لا يصب في "مصلحة" جهة اخرى مناوئة وان كان هذا القانون يخدم شريحة واسعة من المواطنين او "تلغيم" قانون ما بمواد تتخذ طابع التازيم لاستغلال "الحلول" المقترحة لإغراض انتخابية او سياسية او مناطقية كما حصل لقانون التقاعد العام وهكذا دواليك!!!!. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- في العراق.. تتعدد الأزمات والمأزق واحد
- تدوير أزمات الإنتخابات بين مجالس الدولة واللا دولة
- تدوير النفايات من اجل بيئة نظيفة