- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الى التحالف الوطني..مع التحية
حجم النص
اعتقد اننا متفقون على المقدمات التالية، وهي:
اولا: ان الديكتاتورية ليست شخصا او حزبا او فئة او مكونا اجتماعيا معينا، وانما هي نهج قد تتبناه الاغلبية كما تتبناه الاقلية، ويتبناه الحاكم الفرد كما تتبناه حكومة الشراكة، ولقد ابتلينا، نحن العراقيين، بالديكتاتورية ردحا طويلا من الزمن، فاكتوينا بنيرانها من دون ان يسلم منها احد، كل بنسبة معينة، ولذلك فان نهوض الديكتاتورية من قبرها مرة اخرى لتحكم العراق الجديد، تشكل خطرا عظيما على الاغلبية قبل الاقلية، وعلى ضحايا النظام قبل ايتامه، فهي خطر علينا وعلى البلاد وعلى خيراتها وعلى اطفالنا وعلى اسرنا وعلى مستقبلنا وعلى كل شئ، ولذلك فان العمل على وأدها وهي بعد في المهد واجب وطني واخلاقي وديني علينا جميعا، وبالذات الاغلبية، ان نتصدى له، فالديكتاتورية لا تخدم احدا، حتى الديكتاتور لا يسلم من عواقبها الوخيمة، ولنا جميعا في نهاية ومصير الطاغية الذليل صدام حسين خير عبرة لمن يعتبر.
انها تنتهي بالمجتمع الى الذلة كما انها تنتهي بالديكتاتور نفسه الى الذلة، فهي ضد الكرامة التي خلق الله تعالى عباده فمنحها لهم، عندما قال في محكم كتابه الكريم {ولقد كرمنا بني آدم} فلماذا نشتري الذلة بالديكتاتورية اذا كان الخالق المتعال قد خلق الكرامة في انفسنا عندما خلقنا؟.
لتنته السلطة بالحاكم، ولو لمرة واحدة في تاريخ العراق، الى بيته معززا مكرما.
ثانيا: ان العراقيين لم ينتخبوا في كل مرة تجري فيها الانتخابات التشريعية، اي من الرئاسات الثلاث، خاصة رئيس الوزراء، انما انتخبوا ممثليهم في مجلس النواب لينتخبوا بدورهم مرشح اكبر الكتل البرلمانية رئيسا لمجلس الوزراء الذي يختار بدوره فريق عمله من الوزراء الذين سيعملون معه على تنفيذ الخطط والمشاريع التي تخدم المجتمع، بعد ان يحصلوا على ثقة مجلس النواب.
تاسيسا على ذلك، فانه لا احد من الرئاسات الثلاث، وتحديدا رئيس مجلس الوزراء، يمكنه ان يدعي بانه منتخب الشعب ابدا، وانما هو منتخب التوافقات السياسية التي تؤثر فيها بشكل مباشر التدخلات الخارجية.
ثالثا: ان رئيس مجلس الوزراء هو ممثل اكبر الكتل البرلمانية، فهو، بهذه الحالة، لا يمثل حزبا او تيارا او حتى كتلته البرلمانية، هذا يعني بانه يتسنم منصبه بمجموع عدد نواب الكتلة الاكبر، ما يتطلب ان يمثلها باحسن ما يكون، اما ان يتسنم موقعه بعدد نوابها مجتمعين ليستفرد لوحده بتشكيل المؤسسة الخاصة التي يعتمد عليها، فهذا ضد الانصاف كما انه ضد العمل السياسي الدستوري جملة وتفصيلا.
فمثلا، لو اردنا ان نحسب عدد مقاعد الحزب الذي يقوده رئيس مجلس الوزراء الحالي فسنجد بانها لا تتعدى الثلاثين مقعدا فقط من مجموع (325) مقعدا، ما يعني بانه، في هذه الحالة، لا يعتبر ممثل الكتلة الاكبر، كما ان كتلته البرلمانية هي الاخرى لا تمثل الكتلة الاكبر، انه نتاج كتلتين برلمانيتين اتحدتا تحت قبة البرلمان لتشكلان الكتلة البرلمانية الاكبر لتقدمه كمرشح من قبلها لتسنم موقع رئيس الحكومة، علما بان هتين الكتلتين المندمجتين تتشكلان من عدد كبير جدا من التيارات والاحزاب والحركات والشخصيات قد يتعدى عددها الثلاثين، ولذلك فان مرشح الكتلة الاكبر هو مرشح كل هذه المكونات السياسية، فهو ليس مرشح حزب او كتلة محددة ليستفرد بتمثيلها.
رابعا: كما ان موقع رئيس الحكومة يمثل موقعا او منصبا للمكون الشيعي، كما ان منصب رئيس الجمهورية من حصة المكون الكردي ومنصب رئيس البرلمان من حصة المكون السني، اليس كذلك؟.
هذا يعني بان منصب رئيس مجلس الوزراء هو للشيعة كافة وليس لحزب او تيار او منطقة محددة، او حتى للمكونات السياسية للكتلة الاكبر، فلماذا لا نلمس هذه الحقيقة في تكوينته لا الحالية ولا التي سبقته ولا في اي منها منذ سقوط الصنم ولحد الان؟.
اذا اتفقنا على هذه المقدمات، ننتقل للحديث الى حقائق اخرى، وان كانت مرة، وهي:
على الرغم من ان التحالف الوطني هو الكتلة البرلمانية الاكبر، الا انه اضعف الكتل البرلمانية، الى درجة الشلل في بعض الاحيان، ولقد راينا كيف ان بقية الكتل البرلمانية الاصغر منه تتلاعب باتجاهاته وتؤثر سلبا على مواقفه، كما راينا كيف انه عاجز عن اتخاذ الموقف الحازم عند الضرورة فضلا عن عجزه عن تمرير التشريعات اللازمة للمساهمة في تقدم العملية السياسية الى الامام، وان كل ذلك مرده الى ما يلي:
اولا: شدة الخلافات والمشاحنات والنزاعات التي تخيم عليه، ما انهكته فشلت حركته واضعفته.
ثانيا: انعدام الرؤية الاستراتيجية الهادفة الى بناء الدولة، فمبدا الشراكة مثلا الذي تبناه التحالف لم يبق منه الا اسمه، حتى ان اهم مكونات التحالف انقلب على نفسه ليغرد خارج السرب.
لقد كان على التحالف ان يعطي للسلطة معنا آخر وبعدا جديدا، خاصة وانها المرة الاولى التي تتسلم فيه الاغلبية في العراق زمام السلطة، الا انه انتهى بها الى ما انتهى اليه النظام السياسي العربي الفاسد، في الوقت الذي كان امامه فرصة تاريخية ثمينة لبناء الدولة العراقية الجديدة على اسس حضارية قائمة على اساس العدل والحرية والكرامة، يكون فيها الانجاز هو المعيار الاول والاخير في اختيار المسؤول، بعيدا عن المحسوبيات والحزبيات الضيقة والعشائرية والمناطقية، والتي كلها لا تساعد في انجاز ذلك، لانها ومفهوم الدولة العصرية على طرفي نقيض.
ثالثا: فشل التحالف في الانتقال بعقليته من مفهوم المعارضة الى مفهوم الدولة والسلطة، لدرجة انه نقل الى السلطة كل امراضه وعقده النفسية التي ابتلي بها ابان فترة النضال السلبي ضد الديكتاتورية والاستبداد.
فقد نقل مثلا صراعاته الحزبية والمرجعية والمناطقية من ايام المعارضة الى السلطة، ولذلك فان الكثير من زعاماته لا زالت متخمة بروح الانتقام والتشفي من غرمائها في تلك الايام الخوالي.
رابعا: وبسبب النقطتين الاخيرتين اعلاه، فان التحالف فشل في استيعاب على الاقل طاقات وكفاءات المكون الاجتماعي الذي يدعي بانه يمثله في السلطة، واقصد به الشيعي، فضلا عن بقية شرائح المجتمع العراقي، فلقد ظل كل مكون سياسي من مكوناته الكثيرة متمسك بهويته الحزبية الضيقة، بل واحيانا بعشائريته ومناطقيته وربما بمحلته حصرا، ما اضاع الكثير من الطاقات الخلاقة والكفاءات النادرة التي لم تجد الى الان فرصتها لخدمة البلاد والمساهمة في بنائها وتحقيق التنمية التي يتطلع اليها العراقيون.
لقد جمع التحالف كل منخنقة وموقوذة ومتردية ونطيحة وما اكل السبع في صفوفه، بعد ان اصبح معيار الانتماء او الضم هو التملق والوصولية والمصلحية والعواء والقرب من هذا الزعيم او ذاك القائد في التحالف، سواء كان قربا جغرافيا او حزبيا او عائليا، اما الكفاءة والخبرة والقابلية على الانجاز والنزاهة وغيرها من القيم الحضارية، فلم تجدها الا ما ندر، ما تسبب بتردي اوضاعه وعلى مختلف الاصعدة.
خامسا: فان تورط التحالف بالفساد المالي والاداري المرعب دمره كما انه دمر البلاد والمجتمع والامل.
لقد توقع العراقيون، وخاصة الاغلبية من المجتمع، ان وصول التحالف الى السلطة سينتقل بهم الى مفاهيم سلطة الحق التي اقامها امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، خاصة وان كل مكوناته السياسية تدعي بانها تسير على نهجه عليه السلام، كما انهم انتظروا بان ينتج التحالف سلطة هي اقرب ما تكون الى سلطة الحق التي ينتظرونها في عهد الظهور لامام العصر والزمان (عج) اذا بهم يصطدمون بواقع فاسد ومرير هو اقرب ما يكون الى واقع سلطة الباطل التي اقامها الامويون وعلى راسهم الطاغية المتجبر معاوية بن ابي سفيان ابن آكلة الاكباد، الذي اعتمد على مبداين اساسيين لتثبيت سلطته، الا وهما:
الف: اثارة النخوة القبلية التي قضى عليها الاسلام، فبعثها معاوية بسياسات التمييز والتفضيل بغير عدل.
باء: الترغيب والترهيب، فكان يشتري الرجال بالمال اذا امكنه ذلك او ان يدس اليهم السم ليغتالهم، وشعاره (ان لله جنودا من عسل) كما حصل للصحابي الجليل والعظيم مالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه.
اخيرا: ما هو الحل اذن؟.
برايي، فان الفرصة لازالت سانحة امام التحالف للتغيير اذا صمم على ذلك، وذلك من خلال ما يلي:
اولا: ان يتحول التحالف الى مؤسسة قيادية حقيقية، ليقضي بذلك على الخلافات وعلى التشرذم في صفوفه، وليتمكن من اتخاذ القرارات بصورة جماعية بعيدا عن الفردية.
ان على التحالف ان لا يشخصن السلطة كما يفعل النظام السياسي العربي الفاسد، وكما فعل الطاغية الذليل من قبل، بل ان عليه ان يعطيها بعدا مؤسساتيا حقيقيا، فالدولة، اية دولة، لا تقوم على الاشخاص ابدا، وانما تقوم على المؤسسات وبمختلف اشكالها ومهامها.
ثانيا: ومن اجل ان لا يتحول مرشحها لرئاسة مجلس الوزراء في كل مرة الى نقطة الابتزاز الاخطر، كما هو الحال اليوم، سواء من قبل بقية الكتل السياسية او من قبل عدد من دول الجوار، اقت
أقرأ ايضاً
- الى عباس عطية مع التحية !
- لا قيمة لجميع التحالفات وعلى الكتل التفكير بدور المعارضة
- بعد التطبيع اسرائيل ضمن التحالف العربي