- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إطلاق المنبر الحسيني في العتبات بين النعمة والنقمة
في المجالس مدارس، ولاسيما تلك التي تقام تخليدا لذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، كيف لا وهي تقوم بتذكير الناس بالأحكام الشرعية من العبادات والمعاملات وتبيين سير الرسول الأكرم والأئمة المعصومين وما تحمله من مناقبيات وفضائل وبما تكرسه من مفاهيم موضحة ومفسرة ومبينة لآيات الذكر الحكيم، وبما يتعلم الإنسان المسلم منها قيم الحرية والكرامة والثورة ضد الظلم والقهر والإستهتار بالقيم والمقدسات التي طالما يلجأ إليها الطغاة والظلمة، ولعل من أبرز الدواعي لمحاربة تلك المجالس من قبل الطغاة هي الرسالة النهضوية المستكنة فيها ضد كل أنواع الفساد، ولربما أضحت تلك المجالس غصة في حلق الظلمة منذ استشهاد الإمام حتى قيام الساعة، حيث أن المجالس الرسالية تبقى أبد الدهر العائق الرئيسي لطموحات الأنظمة الطاغوتية وكلما علا صوتها كلما لقينا منهم من ضغوط ومحاربة وتهميش.
والذي يضطلع بهكذا أهداف نبيلة ويقوم بتوضيح معالم الدين والأحكام والأخلاق للناس لابد أن يتحلى بتلك الأمور التي يدعو إليها، وإلا أضحى ممقوتا من الناس والأدهى من ذلك ممقوتا من رب العزة حيث يكون مصداقا لقوله تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف : 3] ، ومن بين الأمور التي ينبغي أن يتحلى بها الخطيب هي سلامة فكره وتقواه وعلمه وورعه وموافقة أفكاره لما هو مبثوث في الكتاب والسنة والعترة كما أوصانا بها الرسول، وبما يخدم أبجديات الإسلام من الدعوة إلى التحرر من الطغاة والالتزام بالقيم والأخلاق الفاضلة والدعوة إلى الوحدة والتكاتف ونبذ العنف واحترام حقوق الإنسان وعدم التعدي على أموال وأعرض ودماء الناس والدعوة إلى بسط العدل والحق في أوساط الجماهير وما شابه ذلك من الأحكام التي تأخذ بيد الإنسان إلى مدارج الكمال وبناء الحضارة الراقية التي توفر لبني البشر السعادة الحقيقية، فالخطيب الناجح هو ذلك الذي يتحلى بتلك الأفكار ولا يكون كذلك إلا بعد أن توافرت فيه تلك المعطيات على أرض الواقع.
وبما أن الأعداء قد تربصوا بالمؤمنين دوائر السوء وأخذت مخططاتهم بالنيل منه ومن أفكاره النيرة، فإنهم قد جندوا لأفكارهم الهدامة الجنود وأعدوا العدة ورصدوا مليارات الدولارات للإيقاع بالمؤمنين وصدهم عن ذكر الله وردعهم من الاغتراف من نبعه الصافي المتمثل بمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فهم المفسرون والمبينون للقرآن والأحكام وما دونهما خرط للقتاد، ولمنع المؤمنين من الوصول إلى هذا النبع الصافي خطط الأعداء المؤامرات لإيجاد الفرقة بين الفرقة الناجية وهم (علي عليه السلام وشيعته) عن طريق تحريك بعض ضعاف النفوس فيهم وإغداق الأموال عليهم وربما تعليم بعضهم حتى أفكار الفرقة الناجية العلوية لدب الفرقة وبث الإشاعات وتقويض البناء القويم من الداخل، ولعل ما نشاهده وربما نشاهد مستقبلا من ظهور أحزاب وشخصيات من قبيل جند السماء والرباني واليماني واليوم الموعود وغيرها من التسميات الدخيلة على المذهب الحق لا يجافي الحقيقة التي نؤكد عليها من ضرورة أخذ الحيطة والحذر من انجراف بعض شبابنا لهذه التيارات الفكرية المنحرفة نتيجة ضعف الإيمان أو الانجرار وراء مغريات الدنيا الفانية.
والصيحات التي سمعناها مؤخرا من أن العتبات المقدسة والمراكز الدينية والمؤسسات الإسلامية هي ملك لخطباء المنبر الحسيني هي صيحات أقل ما يقال بشأنها غير مدروسة ومنفعلة، بالرغم من أننا نكن لمطلقيها كل التقدير والاحترام ولا نشك في نواياهم ودوافعهم من أن المنبر الحسيني ينبغي أن يكون حرا وغير مكبل بوزارة أو حكومة أو ديوان، ولكن أي منبر وأي خطيب؟! هل أن جميع الخطباء ينبغي أن ترفع عنهم الحصانة حتى إذا كان بعضهم مدسوسا ومن التيارات المريبة؟! فلا أظن أن الداعين لإطلاق المنبر الحسيني يقصدون أولئك حيث أنهم يريدون إخماد صوت الحسين عليه السلام باسم الحسين وهو لم ولن يقبله كل ذي لب!! أم إن الإطلاق يشمل مَن حسن دينه وسلوكه وسمعته من بين الخطباء وحتى أولئك ما داموا غير معصومين فقد تبدر منهم بعض العبائر والمعلومات التي قد تنعكس سلبا على الدين والمذهب، وقرار ديوان الوقف الشيعي من منع البث المباشر للخطباء الأصلاء ومن على منابر العتبات المقدسة يدخل في هذا المضمار، ولا يعدو قرارا فنيا لا يمكن وبأي شكل من الأشكال تضخيمه وتهويله وتسييسه، والحال إن الكثير من الذين أطلقوا تلك التهويلات كانوا ومازال بعضهم من رواد المنبر في تلك العتبات.
وبالرغم من كل ما ذكرنا نحن نتفهم تلك الصيحات التي يستقرء بعضها المستقبل خوفا من انزلاق المنابر إلى أحضان الحكومة وربما تكون مكبلة بمدح الحاكم وتخرج من نطاق الأهداف التي أوجدت من أجلها ألا وهي إحقاق الحق وادحاض الباطل وتعرية الطغاة الظالمين من أن ينخدع بهم أحد ما دام في قلبه حب الحسين عليه السلام، وما الشد العاطفي الذي يواكب سرد المآسي التي تعرض لها أهل البيت والحسين عليه السلام خاصة إلا للتكريس العقائدي والأخلاقي والتنفير من كل ظلم وجور واستكانة، هذه الأمور كلها مطلوبة بل مرجوحة عقلا ونقلا، بيد أننا نذكر بأن الفرصة الذهبية التي حصل عليها أتباع مذهب أهل البيت بعد سقوط الصنم لم يحصل عليها منذ أكثر من 1400عام، وظهور بعض الهواجس من قبل البعض أمر طبيعي بيد أن عليهم حلها وردمها بالحوار والتفاهم وليس بالتهريج الإعلامي والتهويل الحدثي والتحفيز الجماهيري والتأليب الجبهوي، لاسيما ونحن نعيش في مثل هكذا ظروف وقد تكالبت على أتباع أهل البيت كل قوى الشر والظلام لإخماد صوتهم الهادر بكل ما أوتوا من قوة إعلامية ومالية وسياسية ضخمة، فيا ليت خطباؤنا الموقرون يدركون ما يداهمنا من أخطار من قبل الأعداء وتكون لهم رقاب كرقاب الجمال حتى يوزنون كلماتهم قبل إطلاقها، ربما تكون عليهم غصة وهم بحسن نية يعتبرونها لقمة سائغة فهل من مدّكر؟!.
أقرأ ايضاً
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- تكامل ادوار النهضة الحسينية
- الإعلام الحسيني.. الأهداف والخصائص