ناقوس الخطر يدق بقوة، سابقا كانت القاعدة والآن اتسعت الرقعة لتشمل المليشيات المسلحة الخارجة عن القانون، هدفها واحد وسعيها حثيث وهو الردة ضد الديمقراطية وإجهاض معالم العراق الديمقراطي الفيدرالي، إنها تعمل بكل ما أوتيت من قوة لإرجاعنا إلى المربع الأول، إنها ضد التطور والبناء والإعمار وتتستر بشعارات براقة من قبيل الإسلام هو الحل، ومقارعة المحتل وضرورة انسحابه أو جدولة انسحابه لتضليل السذج من الناس واخداعهم بهذه الإسطوانه التي باتت مشروخة لدى القاصي والداني، إنها تعلم قبل غيرها بأنها ليست قادرة على إخراج المحتل بالطرق العسكرية لذلك فإن أكثر من تسعين بالمئة من عملياتها موجهة ضد المواطنين العزل وضد القوات الأمنية التابعة للحكومة الوطنية المنتخبة، وضد البنى التحتية للاقتصاد العراقي، وضد المشاريع الخدمية من قبيل محطات الكهرباء والوقود وأنابيب الماء، إنها ارتضت لنفسها أن تكون إعلانات مدفوعة الثمن لبعض الدول الإقليمية المحيطة بالعراق، إنها باعت الضمير والشرف وخانت الجماهير من أجل حفنة من الدولارات من الأنظمة الديكتاتورية، ومن أجل إرضاء نزوات قادتهم السادية التي تنتشي بإراقة الدم العراقي لتجني هي وأسيادهم مكاسب سياسية.
يمر وطننا الحبيب بمحنة كبرى منذ إسقاط سلطة البعث الفاشية يوم التاسع عشر من نيسان 2003 ، يوم علت الفرحة وجوه العراقيين بسقوط اعتى دكتاتورية عرفها التاريخ القديم والحديث، ولم يترك الإرهابيون والبعثيون والمتحالفون معهم من المليشيات المارقة عن القانون، هذه الفرحة ترتسم على وجوه العراقيين فعملوا قتلا وتدميرا بالعراق وأهله، وشملت تلك العمليات مختلف الطوائف والقوميات والأديان دون تمييز، وظهرت كنبت شيطاني أحزاب وتشكيلات طائفية من كل الأطراف لم يكن لها وجود على الساحة السياسية العراقية، ولم يعرف لها تاريخ واضح لأنها تشكلت من بقايا تنظيمات حزب البعث المنحل ورجال أمنه ومخابراته والمتضررين من سقوطه، حيث سارعت للانخراط في التشكيلات الجديدة باسم الإسلام وهو منها براء، للعمل على إعادة مجدها الإرهابي الغابر الذي ديس بأقدام الشعب العراقي يوم التاسع من نيسان.
وتطاول أزلام هذه التشكيلات الغريبة على الجسم السياسي العراقي، وشكلوا بأعمالهم الإرهابية التي طالت جميع العراقيين وخاصة شرائحه الدينية والوطنية المخلصة التي يرجع تاريخ البعض منها لمئات السنين، وعملوا على إشاعة ثقافة إلغاء وإبادة الآخر بالقوة وبالسلاح، وحصدوا أرواح آلاف العراقيين الأبرياء مستخدمين نفس أسلوب ونهج البعث الغابر في القتل والتدمير، حتى وصل الأمر أن يتم قصف مواطنينا الأبرياء في هجمتهم الإرهابية الشرسة الأخيرة بقذائف الهاون والراجمات ومختلف أسلحة الموت والدمار التي يتم تزويدهم بها من قبل بعض دول الجوار المعروفة سلفا في تمويل هذه التشكيلات التي تتخذ وتتبرقع تحت أسماء دينية خادعة.
وليس آخرها قصف أسواق منطقة جميلة بالهاونات واستهداف المحلات التجارية في بغداد الجديدة بالعبوات الناسفة، لتدمير وضرب عصب الاقتصاد العراقي، ولإذكاء حالة التذمر لدى الشعب للانقضاض على حكومته المنتخبة!!! تلك الأعمال الإجرامية التي تقوم بها المليشيات التابعة للأحزاب الإسلامية قاطبة سواء أكانت سنية أو شيعية، التي عاثت في ارض الرافدين فسادا من قتل وتدمير وتخريب للبنى التحية متضامنة مع بقايا أزلام البعث وسالكة نفس النهج البعثي السابق والذي جسده عمل فدائيو صدام.
إن تلك المليشيات المتعددة المناشيء والمشارب تارة تقوم بالقتل الطائفي على الهوية والتهجير القسري للعوائل لتغيير مناطق تواجدهم ديموغرافيا لصالح طائفة معينة، وأخرى تقوم بنهب خيرات العراق علانية وبطرق عديدة يعرفها القاصي والداني ودون حياء، لذلك شكلت عمليات نهب وتهريب النفط العراقي هذه مأساة لأبناء الشعب العراقي نتيجة صراع الميليشيات المتعددة للحصول على الحصة الكبرى من الغنيمة النفطية والتي ذهب ضحيتها مواطنون أبرياء.
لذلك فمن الأولى بالحكومة العراقية أن تقوم وقبل انتخابات مجالس المحافظات بحل كافة الميليشيات المسلحة دون تمييز، ووضع السلاح بيد السلطة حصرا حيث يجب أن تستخدمه وفق الضوابط القانونية والدستورية وعدم السماح بحمل السلاح خارج هذا النطاق مما يشكل تهديدا للأمن الوطني العراقي، وعليها شرعنة وتفعيل ما صدر عن المجلس السياسي للأمن الوطني من تحريم الأحزاب التي تمتلك مليشيات من الاشتراك في الانتخابات والعملية السياسية، لأنها بالتضاد مع الممارسة الديمقراطية من خلال تنفيذ أفكارها وأجندتها بقوة السلاح والإرهاب وليس بالبرامج السياسية والاقتصادية التي تؤدي إلى التنمية وتوفير الأمن والخدمات للمواطن الذي هو بأمس الحاجة إليها حاليا، بعد أن طحنته الحروب وسأم من الشعارات البراقة التي لم يجني منها سوى الخراب والدمار والويلات.
الميليشيات الخارجة عن القانون ملمسها ناعم ومخبئها يذرف السم الزعاف، ربما ينخدع بنعيقها الغربان ولكنها مسؤولية كبيرة تبقى على عاتق الكتاب والمثقفين من فضح نواياهم الخبيثة وأساريرهم الدنيئة، لعل أبسط خدمة يقدمونها للمحتل والدول السائرة في فلكه هي إطالة أمد وجوده في العراق بذريعة معالجة المظاهر المسلحة والمتشددين الإسلاميين، وتقويض التجربة الديمقراطية في العراق الذي تبذل السعودية وليبيا والإمارات وقطر المرتسكة في العمالة للأمريكان تبذل عشرات المليارات من الدولارات للإجهاز على الخيار الشعبي في العراق، لإثبات أن خلاص دول المنطقة تكمن في الأنظمة الشمولية وليس الديمقراطية، وهذه السياسة الخبيثة التي تكرس وجود الطواغيت والظلمة تجري مع بالغ الأسف بأيادي عراقية محسوبة على التيارات الإسلامية المزيفة.
الأنظمة الديكتاتورية في حقيقة الأمر وبعملهم هذا يضربون عصفورين بحجر واحد، فهم يقومون بتثبيت سلطانهم الظالم من جانب وإظهار الحركات المحسوبة على الإسلام بالمظهر الإرهابي المتوحش من جانب آخر، ولكيلا ننزلق نحو هذا المنزلق الخطير ينبغي أن ينبري جميع المخلصين إلى تعرية تلك المخططات الخبيثة ودعم الإجراءات الحكومية لاجتثاث جذور كافة الميليشيات العسكرية القائمة على الأرض العراقية كجيوش غير شرعية تزاحم جيش الدولة القانوني، تحقيقا لما ورد في الدستور من حقوق للمواطن التي نضمن بها حريته الفكرية والسياسية والدينية من اجل عراق مدني ديمقراطي فيدرالي موحد، والمطالبة بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن المحاصصة القومية والطائفية المقيتة، لإعادة اعمار العراق وترميم الخراب بسواعد وعقول أبناءه، بعيدا عن التحزب والمليشيات والتعصب القومي والطائفي المقيت.
أقرأ ايضاً
- الاضداد والمتشابهات في فقه العقوبات
- العراقيون يفقدون الثقة في الديمقراطية
- أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب