علي حسين
بالتأكيد لا أحد من قراء العمود الثامن مستعد هذه الأيام لأن يقرأ تنظيراً عن تجارب الشعوب وصحوات الأمم، فلا شيء يعلو على صوت المصالح والامتيازات وتقاسم الكعكة. في اليومين الماضيين كنت مثل معظم العراقيين الذين ارتبطت أحوالهم بدول الجوار، أتابع الانتخابات التركية، وكنت أمنّي النفس بأن أشاهد أحد المتنافسين من جارتنا تركيا يخرج إلى عشيرته وطائفته يطالبهم بانتخابه، او يصرخ في الفضائيات بعد ظهور النتائج "ما ننطيها"، ولهذا ضحكت على حالنا حين عرفت أن الكثير من الناخبين الأتراك انتخبوا كمال كليجدار أوغلو رغم أنه لا ينتمي إلى طائفتهم، فالحديث عن الطائفة والمذهب والعشيرة أمر معيب في انتخابات خرج إليها الملايين ليقرروا مصير بلادهم.
في هذه البلاد قدمنا نموذجاً جديداً للديمقراطية يصر فيه المواطن على أن ينتخب "جماعته"، ولا يهم أن هذه الجماعة سرقت مستقبله وقبله سرقت أمواله ووضعته على قائمة الدول الفاشلة.. المهم أن البرلماني من طائفتي.
ثار غضب معظم ساستنا من لافتات رُفعت في تظاهرات تشرين تطالب بإرساء أسس دولة مدنية، وتتهم الأحزاب الحاكمة بأنها تقف وراء خراب العراق ونشر الطائفية وتشجيع المحاصصة، وإرساء مبدأ انتخاب جماعتنا. لا زلت اتذكر تعليق كتبه قارئ عزيز على أحد مقالاتي يقول فيه: "سألت جاري قبل الانتخابات هل بعد كل هذا الخراب والموت ننتخب نفس الوجوه؟ فأجابني بإصرار نعم ننتخبهم، سألته: لماذا قال إنهم من طائفتنا، فأيقنت أننا نستحقهم وهم يستحقوننا".
على الصفحة الأولى من معظم صحف تركيا ظهر المتنافسان الرئيس رجب طيب أردوغان وزعيم المعارضة كمال كليجدار، الأول قال إنه "سيحترم قرار الشعب لان أهم شيء هو أن لا نقسم تركيا"، والثاني خاطب ناخبيه بأن "قرار الشعب على أعيننا ورؤوسنا".
أتمنى عليك عزيزي القارئ أن لا تذهب بك الظنون بعيداً وتعتقد أنّني أعتقد مقارنة بما يجري في بلاد الرافدين، وكيف أن كتلة سياسية رفضت الخسارة عام 2010 وأصرت على أن تستحوذ على كل شيء، وكيف أننا في عام 2014 انتظرنا الفرج من إيران لكي تشكل الحكومة، وتكرر الأمر عام 2018، وعشنا مهزلة "الثلث المعطل" عام 2022.
تقوم تجارب الحكومات الناجحة على الصدق والمشاعر الإنسانية. فيما يعيش نظامنا السياسي على الانتهازية واحتقار المواطنة.
أُنظروا إلى الانتخابات التركية، وتمعّنوا في تصريح العضو السابق في مفوضية الانتخابات العراقية صفاء الموسوي وهو يقول بكل أريحية في برنامج أحمد الملا طلال: "نحن تفوقنا على المفوضية التركية في الانتخابات"، واسألوا أين نحن بعد عشرين عاماً من الكلام عن الرفاهيّة والسيادة والمستقبل المشرق، وحكومات الشراكة، والمحاصصة اللطيفة، وسيادة القانون؟.
أقرأ ايضاً
- العراقيون يفقدون الثقة في الديمقراطية
- أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
- الإبادة الجماعية في غزة ونفاق الديمقراطية الغربية