- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
رأس الامام الحسين اشعاع ومنار
يمثل رأس الأمام الحسين عليه السلام ومسألة الأختلاف في مكان وجوده سمة من سمات الشموخ لهذا الرأس الطاهر الذي قدر له ان يفصل عن جسد أبي عبد الله ولكنه مثل في ذات الوقت مصدر من مصادر اتصال الأمة الأسلامية في جسد الأسلام فأبن بنت الرسول حينما خرج الى العراق لمحاربة أعوان الطاغية يزيد قال مقولته الشهيرة بكل إباء ( لم أخرج أشرا ولا بطرا وانما خرجت للأصلاح في مدينة جدي ) ، وهنالك سؤال لازال يدور في خلد البعض ، هو هل أن رأس الحسين إعيد مع الجسم الطاهر الذي سقط في طف كربلاء ؟ أم ان الرأس الشريف دفن في مكان آخر كما يدعي البعض من الناس ومن المؤرخين وهنالك عدة آراء في هذا الجانب فالرأي الأول يقول انه مدفون في المدينة المنورة حيث ذهب هذا الفريق من المؤرخين إلى أن الرأس الشريف للإمام الحسين ( عليه السلام ) دفنه حاكم المدينة عمرو بن سعيد في البقيع إلى جانب أمه فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كما روي في تذكرة الخواص . وتقول هذه الرواية أنه دفن بالمدينة عند قبر أمه فاطمة ( عليها السلام ) فعندما وصل المدينة كان عمرو بن سعيد بن العاص والياً عليها ، فوضعه بين يديه وأخذ بأرنبة أنفه ثم أمر به ، فكفن ودفن عند أمه فاطمة ( عليها السلام ) . ويضعف هذا الرأي لأنه مبني على إثبات القول بوصول الرأس إلى المدينة ، وعدم انتقاله في الطريق بين الشام والمدينة إلى كربلاء مع زيارة الأهل للقبور . كما إن الاختلاف قائم على محل دفن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بين منزلها وما بين قبر ومحراب الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) في المسجد ، وبين دفنها في البقيع ومن دون تحديد المكان يجعل أمر دفن الرأس الشريف بالقرب منها غير وارد . ويبقى هنال أمر مهم نود ان نضيفه على آراء المؤرخين وهو ان الأمام المعصوم لا يدفن جسده في مكان ورأسه في مكان آخر للمكانة التي يمتلكها لدى رب العالمين وللمنزلة التي له عن العزيز الحكيم ولهذا وللأسباب الأخرى اليت ذكرت آنفا نرى ان هذه الرواية مدحوضة وغير مقبولة .
أما الرواية الثانية فتقول ان الرأس الشريف مدفون في دمشق وينقل أبو مخنف الأزدي في كتابه ( مقتل الحسين (ع) ) عن منصور بن جمهور انه دخل خزانة يزيد بن معاوية ووجد فيها جوانة حمراء ، فقال لغلامه سليم : احتفظ بهذه الجوانة فأنها كنز من كنوز بني أمية ، فلما فتحها وجد فيها رأس الحسين (ع) وهو مخضوب بالسواد ، فقال لغلامه ائتني بثوب فأتاه به فلفه ثم دفنه بدمشق عند باب الفراديس ، عند البرج الثالث مما يلي المشرق . وعلى الرغم مما ذكره أبو مخنف في روايته إلا ان الناس اختلفوا في مكان وجود الراس بدمشق فمنهم من قال أنه دفن في حائط بدمشق ، ومنهم من قال في دار الإمارة ، ومنهم من قال في المقبرة العامة لدفن المسلمين وهناك قول بدفنه في داخل باب الفراديس ( الذي ذكرناه آنفا ) ، وذلك المكان سمي بـ ( مسجد الرأس ) . وقولاً آخر أنه في جامع دمشق ( الذي يسمى اليوم بالجامع الأموي ) ، وسمي المكان بـ ( رأس الحسين ) ، ويزوره الناس إلى الآن ، كما أن هناك أقوالاً أٌخر .وإختلاف الأمكنة المتعددة لمحل الدفن دليل الضعف لرواية دفن الرأس في سوريا .
والرأي الثالث يقول ان الرأس الشريف دفن في مصر ، حيث ذهب بعض المؤرخين إلى أن الرأس الشريف قد حظيت به القاهرة ، وذكر في كيفية نقله إليها قولان :
الأول : وهو ما ذكره الشعراني من أن العقيلة زينب بنت علي ( عليهما السلام ) نقلته إلى مصر ودفنته فيه . الثاني : وهو ما أفاده المقريزي من أن الرأس نقله الفاطميون من باب الفراديس في دمشق إلى عسقلان ( أي فلسطين ) ، ومنها حمل إلى ( القاهرة ) من طريق البحر ، في اليوم العاشر من شهر جمادى الآخرة من سنة ( 548 هـ ) ، وقد قام بذلك سيف المملكة مع القاضي المؤتمن بن مسكين ، أيام المستنصر بالله العبيدي صاحب مصر ، وجرى له استقبال ضخم .
أما القول الأول فهو ضعيف ، ولم يذكره غير الشعراني على أن سفر العقيلة زينب ( عليها السلام ) إلى مصر كان بفترة طويلة بعد عودتها إلى المدينة من سبيها فى الشام ، ولا يعقل أنها احتفظت بالرأس كل تلك المدة لتدفنه بعدئذ في مصر ، ولم تذكر رواية أنها دفنته ومن ثم أخرجته لتنقله معها إلى مصر . وأما ما نقله المقريزي ، فإنه يتوقف أولاً على إثبات وجود الرأس الشريف في باب الفراديس في المدة الفاصلة بين عام ( 61 هـ – 548 هـ ) ، حتى يصدق أن المنقول هو رأس الحسين ( عليه السلام ) ، وهو غير ثابت حتى وإن ثبت صحة خبر ما قام به الفاطمييون ، وقد حاول المقريزي ان يضفي صفة الموضوعية على ما ذكره فأورد رواية تقول ان الفاطميين لما رأو اقتراب خطر المغول على بلاد الشام عمدوا الى نقل رأس الحسين من عسقلان الى القاهرة ويورد في ذلك حديث مطول يذكر من خلاله ان احتفالية كبيرة اقيمت في نقل الرأس بحيث ان الناس اصطفوا على طول الطريق من عسقلان الى القاهرة لأستقبال الرأس الشريف وان الخليفة الفاطمي خرج لإستقبال الرأس الشريف الذي وضع في صندوق ليتم دفنه في مكان يعرف الآن بمقام الحسين ، حتى ان هنالك اليوم في القاهرة حي شهير يعرف بحي الحسين ، وبرأيي ان عملية الدفن تمت فعلا وان صندوقا نقل من عسقلان الى مصر ولكن هذا الصندوق لا يحمل رأس الحسين وانما يحمل التراب الطاهر الذي وع عليه الرأس الشريف ، فيزيد بن معاوية قام بنقل الراس بين الأمصار ليخيف الناس من الثورة ضده وهي عادة متبعة لدى الطغاة والمجرمين لجعل الناس عبيدا لهم ومطيعين عن وخوف وعن وجل ، ومن هذا نرى ان رأس الحسين عليه السلام قد طيف به بالأمصار ولهذا ايضا نرى ان الأمصار في الدولة الأسلامية كل منها يفتخر بأن رأس الحسين عليه السلام مدفون لديه ، والخليفة الفاطمي تقول الأخبار كما ينقل المقريزي نقل الصندوق الذي يضن ان فيه الرأس الشريف ولكن حقيقة الأمر قد يكون قد قام بنقل الموطيء الذي وضع عليه الرأس الطاهر ، وبغض النظر عن جميع الروايات فيبقى هنالك شيء مهم وهو ان رأس الحسين على الرغم من انه اعيد مع السبايا الى أرض كربلاء وهي حقيقة لا لبس فيها الا ان المكانة العضيمة لأبن رسول الله ومشيئة الله في ان يكون هذا الرأس منارا واشعاعا للثائرين جعل الله له ذكر في بقاع عديدة من العالم الأسلامي ولهذا فلا ضير في ان نسمع ان اهالي مصر يفتخرون بأن الراس الشريف لديهم او ان اهالي سوريا يفتخرون بذلك او الفلسطينيون في عسقلان او في مناطق اخرى من العالم .
والرأي الرابع يقول ان الرأس الشريف يوجد في فارس ، وقد ذكر ذلك أحمد عطية في دائرة المعارف الحديثة ، ولعل المصدر هو ما ورد من أن أبا مسلم الخراساني لما استولى على دمشق ، نقل الرأس الشريف منها إلى مرو ، فدفن بها في دار الإمارة ثم بني عليه رباطاً .وهو قول شاذ لم يذكره أحد من المؤرخين المعتبرين ولا دليل عليه ، وهو كالقول بنقل الرأس الشريف إلى مصر متوقف على بقاء الرأس في الشام ، وهو غير ثابت حتى يثبت فيما بعد نقله إلى مكان آخر .
أما الرأي الخامس فيقول انه نقل الى النجف ، حيث أنه نقلت مجموعة من الأخبار عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) على أن الرأس الشريف دفن في الغري ، ولكن التعبير في بعضها بأنه موضع الرأس ، وهذا لا يدل على أنه قد دفن فيه ، مضافاً إلى ملاحظة أسانيد تلك الروايات .
والرأي السادس والمشهور لدى عدد كبير من المؤرخين فيقول ان رأس الحسين عليه السلام مدفون في كربلاء كما اشتهر هذا القول عند فريق كبير من علماء المسلمين من الفريقين ، فمن أهل السنة ما ذهب اليه الشبراوي ، والقزويني ، وأبو ريحان البيروني ، حيث يقول : في العشرين من صفر رُدَّ الرأس إلى جثته فدفن معها وابن الجوزي ، حيث يقول : واختلفوا في الرأس على أقوال ، أشهرها أنه رُدَّ إلى المدينة مع السبايا ، ثم رُدَّ إلى الجسد بكربلاء فدفن معه ، قاله هشام وغيره .وكما ينقل ابن شهر آشوب في مناقبه من أنه المشهور بين الشيعة ، وينقل رأي السيد المرتضى والشيخ الطوسي .وقد نص على ذلك علماء الشيعة ومحدثوهم كالمجلسي ، وابن نما ، وذكر السيد ابن طاووس أن عمل الطائفة على ذلك .وهذا القول هو المشهور والمعروف عندنا الشيعة الإمامية من أن الرأس الشريف قد أعيد إلى كربلاء ودفن مع الجسد الطاهر . أما كيفية نقل الرؤوس الشريفة إلى كربلاء ودفنها مع الأجساد الطاهرة فحسبما هو المعروف من أن الامام زين العابدين ( عليه السلام ) طلبها من يزيد وهو أجابه .وذلك عندما أراد يزيد أن يطلب مرضاة الإمام ( عليه السلام ) ، بعد أن علم الناس واقع الأمر ، بأن المقتول هو الحسين بن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .وكذلك المسبيات في أنَّهن لَسنَ من الخوارج كما كان يدعي يزيد ، وإنما هن بنات الوحي والرسالة .فعندها نقموا عليه وكرهوا فعلته ، وصار يزيد يتنصل من ذلك ويضع اللوم على واليه في الكوفة عبيد الله بن زياد في قتله للحسين وأصحابه ، وأنه هو لم يأمرهم بذلك .وقد خيَّر الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) والعيال بالبقاء في الشام أو الرحيل منها ، وقد أختاروا الرحيل ، فأمر بتجهيز الراحلة مع الدليل ، ومعهم النعمان بن بشير الأنصاري .فلما وصل الركب إلى مفرق طريقين يؤدي أحدهما إلى العراق والآخر إلى المدينة - وهي منطقة في الحدود بين الشام والأردن والعراق تعرف حتى اليوم باسم ( المفرق ) - سأل الدليل الإمام ( عليه السلام ) إلى أين يتجه بالركب ؟
فسأل الإمام ( عليه السلام ) عمته العقيلة زينب ( عليها السلام ) ، فقالت : قل للدليل يعرج بنا إلى كربلاء لنجدد عهداً بقتلانا وندفن الرؤوس .فوصل الركب إلى موضع القتل بكربلاء في العشرين من صفر 61 هـ ، أي بعد أربعين يوماً من الواقعة .وعندها دفن الإمام ( عليه السلام ) الرؤوس مع الأجساد ، ومن ذلك أُثِر عند الشيعة فيما بعد زيارة الحسين ( عليه السلام ) في يوم الأربعين ، وكذلك جلوسهم لقراءة القرآن والترحم على موتاهم بعد مرور أربعين يوماً على وفاتهم . وفي الختام نرجوا ان نكون قد وفقنا في نقل صفحة يسيرة من تاريخ امام عظيم وقف ضد الظلم والطغيان وحتى بعد قتله بقي يشكل منارا للثائرين وللمضحين بأرواحهم في سبيل الحق وقد تناولنا في الصفحات الماضية بعض الأخبار التي نقلها المؤرخون في مواضع دفن رأس الإمام الحسين ( عليه السلام ) .وقد شيد في أغلب تلك المواضع مزارات يطوف بها المسلمون ، وهي موضع اعتزاز وفخر وتقدير لكل بلد أو مكان حظي بهذه النسبة .
وعلى أَيَّةِ حال من الأحوال وصحة أَيَّةِ رواية من عدمها لتعيين مكان دفن الرأس الشريف فإن الإمام الحسين ( عليه السلام ) قائم في عواطف الناس وقلوبهم ، وفي أعماق النفوس قبره روحاً وجسداً ورأساً