- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
فلسفة الموت عند الإمام الحسين (عليه السلام)
بقلم: علي الراضي الخفاجي
الموت والحياة قدران خلقهما الله جلَّ وعلا للبلاء، يقول تعالى ((تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ))الملك/1-2، وتقديم الموت على الحياة هنا يرمز إلى نوع من التقدم الواقعي، فالموت أسبق من الحياة، وأنَّ التمتع بالحياة أمرٌ محدودٌ ليست الغاية منه الخلود؛ فإنَّ الخلود في الحياة الأخرى ((وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) العنكبوت/64.
والنظرة القرآنية للموت تختلف عن النظرة الديالكتيكية وما رأته الفلسفات المادية التي غرست في الإنسان الشعور باليأس والتفاهة، وقد ورد في القرآن عن لسان حالهم ((وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)) الجاثية/24.
وعندما نقرأ فلسفة الإمام الحسين عليه السلام للموت والحياة، وهو الواعي لحقيقتهما، فإننا نقرأ نظرة المعصوم الثاقبة للغيبيات والوقائع والأحداث وقراءته للنتائج، فقد تكررت كلمة الموت على لسانه مرات عدَّة، منها في بعض خطبه وهو لا يزال في مكة قبل أن يتوجَّه إلى العراق:(الحمدُ لله ماشاء ولاقوة إلا بالله وصلى الله على رسوله، خُطَّ الموتُ على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى اشتياق أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف)ثم قال(فمنْ كان باذلاَ فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا فاني راحلٌ مصبحاً إن شاء الله)اللهوف لابن طاووس/ 53.
فالإمام عليه السلام لم يفكر بالإنتصار العسكري الذي يطمح إليه الغزاة والمدافعون؛ إنما كان يطلب الفتح والغلبة المعنوية، وما نعيشه اليوم من حياة الإسلام هو نتيجة تضحيات يوم عاشوراء وماتركته من امتداد عبر الزمان.
وقد أشار إلى ذلك الإمام زين العابدين عليه السلام في جواب السائل الشامي عندما سأله:(من الغالب ياعلي بن الحسين؟ فقال له: إذا دخل وقت الصلاة وأذَّن المؤذن عرفت مَنِ الغالب).
كما يتضح لنا من خطبة الإمام عليه السلام في كربلاء أنه كان يعدهم بملحمة إلهية، وكان يخبرهم عن مستقبل ثورته دون أن يشير إلى انتصار عسكري مؤكد، فأقدم على الشهادة والتضحية وهو عالمٌ أنَّ بقاء الإسلام مرهونٌ بتضحياته ودمائه الزكية، وكان يهدف من حركته إلى تحرير إرادة الأمة التي صودرت بالقمع والإرهاب، حتى هزَّت ثورته ضمير الأمة وأعادت لها وعيها وإرادتها، وسلبت شرعية الحاكم آنذاك.
كما نلحظ ذلك في خطبته الثانية عندما دخل العراق، فقال:(ألا ترون أنَّ الحق لا يُعملُ به وأنَّ الباطل لايُتناهى عنه، ليرغب المؤمنُ في لقاء الله مُحقاً فاني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً)، حيث أدرك عليه السلام أنَّ ما يخلد في هذه الدنيا هو ما يسجله المضحي من صفحات مشرقة ومواقف للأجيال يتحول فيها إلى بطل ورمز لطلاب الحق والعدل والحرية، فالدنيا مسيرتها قصيرة والآجال فيها محدودة، والموت مصيرٌ مؤكدٌ لا بد منه لاستمرار الحياة، رغم أنَّ الإنسان من طبيعته أنه يأخذ من الحياة أكثر مما يعطي ويستبعد الموت، ولا يعي تماماً أنَّ وظيفة الحياة لأجل تربيته للسير به نحو التكامل استعداداً للموت الذي ينقله بعد ذلك إلى مرحلة عليا، وهي الأفضل - بلا مقارنة - عن الدنيا، إلى حياة دائمة ومستقرة خالية من ألم الفقد وقلق الزوال، فالموت هو من سنن الله تعالى في خلقه وانتهاءٌ طبيعي لدورة الحياة، ولكن عندما تكون النتيجة الشهادة على قضية وموقف لإنقاذ أمة تتمزق وتتعذب على أيدي الجهلة والمردة والتافهين، فالموت من أجل إنقاذها يكون أجمل ما يتزين به الإنسان، وهو السبيل لأن يرتفع به إلى عليين.
أقرأ ايضاً
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- دور الاسرة في تعزيز الوعي بالقانون عند افرادها