- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
بقلم: منتظر ناصر
جرت الضربة الإسرائيلية لإيران، في الساعات الأولى من صباح السبت (26 تشرين الأول أكتوبر 2024) وفق سيناريو مدروس بعناية من الجانب الأمريكي، وبذلك تتراجع حكومة نتنياهو عن مفهوم “الرد المزلزل” الذي روجت له كثيرا طوال الأيام التي تلت الضربة الإيرانية الأخيرة إليها في الأول من ذات الشهر، نزولا عند رغبة إدارة جو بايدن بتنفيذ ضربة محدودة، لأن الأخير لا يميل إلى توسيع الحرب في الوقت الحاضر، خشية انعكاسها إيجابا على حملة المرشح الجمهوري، دونالد ترامب.
يندرج هذا النوع من الضربات المتبادلة في إطار تحقيق معادلة الردع العسكري بين طرفين، ولا تعني هذه بالضرورة حدوث قصف موجع ومدمر، بل قد تأخذ شكل الهجوم الباهت أو غير المدمر، ولكنه في الوقت ذاته يرسل برسائل قوية يتداولها الطرفان، يغلب عليها الاستعراض وفتل العضلات، لتحذير الآخر.
الضربات المتبادلة بين الجانبين، لا تعدو كونها رسائل لإظهار التفوق العسكري لكليهما، فاستخدام إسرائيل لـ100 طائرة قتالية متطورة مثل F35 وF16 وF15 كانت بمثابة استعراض لقوتها الجوية، وهيمنتها المطلقة على سماء المنطقة، وأما تركيزها على مواقع في غرب إيران القريبة جغرافيا، فقد جاء لتفادي الحاجة للتزود بالوقود إذا ما قررت استهداف مواقع شرقي البلاد البعيدة، في وقت ركزت فيه ضربة إيران الأخيرة على استخدام صواريخ باليستية و”فرط صوتية” متقدمة، تصل أهدافها داخل إسرائيل بدقائق معدودة، ما يعكس التفوق الصاروخي لها، في رسالة واضحة بأنها قد تكون أكثر تدميرا إذا ما تم تذخير رؤوسها بكميات أكبر من المتفجرات أو حشوها بالأسلحة النووية.
وإذ أثبتت ضربة إسرائيل قدرة على الوصول بمقاتلاتها إلى الأراضي الإيرانية بسهولة، أظهرت في الوقت ذاته عجزها التام عن مهاجمة جميع الأهداف الإيرانية الاستراتيجية بمفردها ومن دون مساعدة الولايات المتحدة، وهذا يفسر طبيعة الرد المتماهي مع الرغبة الأمريكية، خلافا لممارسات نتنياهو في غزة ولبنان، والتي كان خلالها صاحب القرار الأول، وهو المتحكم في الموقف الأمريكي، الذي تسبب بإحراج بايدن كثيرا، وذلك لسهولة الوصول لتلك الأهداف بفعل طبيعتها الجغرافية وانكشافها أمامها، فيما لن تقدم إيران على أي رد عسكري مباشر وجديد، في الوقت الحاضر على الأقل، كي لا يعتبر هدية مجانية لحملة ترامب، وبذلك تسجل إدارة بايدن نجاحا في إدارة الصراع وعدم توسيع الحرب، بما قد ينعكس لصالح المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، في الانتخابات المقررة بالخامس من تشرين الثاني نوفمبر المقبل.
وبالرغم من محدودية الضربة الإسرائيلية التي أثارت انتقادات داخلية، مثل وصف زعيم المعارضة، يائيير لابيد، لها بالخطأ لعدم مهاجمتها “أهدافا استراتيجية واقتصادية”، إلا أنها تمكنت من إعادة قواعد اللعبة مؤقتا إلى سابق عهدها، وأنهت المواجهة المباشرة بين الطرفين، لأن إيران لن ترد على هذه الضربة بسبب رغبتها المشتركة مع الولايات المتحدة في عدم توسيع الحرب والاكتفاء بحرب الأذرع، خصوصا مع تمهيدها لاتخاذ هذا القرار بإعلان أن الضربة باهتة، وأن القصف جاء عبر المجال الجوي العراقي (وليس داخل مجالها).
وبذلك، قد تكون الضربة بداية لمفاوضات تهدئة شاملة في المنطقة بعد معرفة كل طرف قوة الآخر، مع اعتراف ضمني بقوة ونفوذ كل منهما، عطفا على نجاح اللاعب الأمريكي في ضبط إيقاع الصراع، والتوسط بينهما، لكن ذلك قد يكون مهددا في أي لحظة بسبب افتقار نتنياهو للمصداقية.
وفي واحدة من نتائج الضربات المحدودة المتبادلة بين إيران وإسرائيل، هو ظهور التفاهم الأمريكي الإيراني بوضوح، خلافا لما يظهر بينهما من تقاطع، خصوصا بعد تأكيد موقع “أكسيوس” الأمريكي بأن إسرائيل أرسلت رسالة إلى إيران قبيل الضربة، عبر طرف ثالث (في إشارة للطرف الأمريكي) قبل غاراتها الجوية الانتقامية.
أخيرا كشفت الضربة أن استخدام المقاتلات الإسرائيلية، لأجواء العراق وسوريا، بقاء البلدين المتجاورين ضمن دائرة الصراع، وأنهما ما زالا فاقدين للسيادة على سمائهما، في ظل إعلان الأردن رسميا عدم السماح لأي مقاتلة بالمرور من سمائه.