بقلم: نرمين المفتي
تنشر الصحف العراقية والعربية دائما تقارير عن الاحياء العشوائية في بغداد خاصة والمحافظات الاخرى عامة، وتعتبرها مشكلة بحاجة إلى حل، في المقابل نسمع كثيرا أن هناك خططا لحل أزمة السكن، ولكن لم نلمس أي حل في الواقع.
في الأسبوع الاول من شهر تموز الجاري، تناقلت الشبكات الاعلامية ووكالات الأنباء، إشارة المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي إلى أن أكثر من 5.3 مليون عراقي، يسكنون في 560 ألف وحدة سكنية تضمها التجمعات العشوائية.
وقال الهنداوي إن «بغداد تحتل المركز الأول بواقع 1073 تجمعاً عشوائياً، تليها محافظة البصرة بأكثر من 700 تجمع عشوائي، ومن ثم باقي المحافظات بأعداد متباينة».
وكانت وزارة التخطيط قد أطلقت في تموز 2023 نتائج تحديث مسح تثبيت مواقع تجمعات السكن العشوائي في العراق.
ونقلت وكالة الانباء العراقية عن بيانها بالمناسبة بأن بغداد الأعلى من ناحية التجمعات السكنية بأكثر من (1000) تجمع سكاني، التي تُشكل نسبة (23 %) من مُستوى العراق والبالغة (4679) تجمعا»، واضاف البيان أن «عدد ساكن هذه التجمعات ما يقارب (3) ملايين و(725) ألف نسمة».
وكما يبدو فإن الأرقام لم تتغير كثيرا، بالرغم من زيادة عدد المجمعات السكنية الاستثمارية، التي كان هدفها المساهمة في حل أزمة السكن، لكنها لم تسهم بأي حل لارتفاع اسعار الوحدات السكنية، ولم نعرف إن كانت قد ساهمت بالدخل الوطني لكونها استثمارية! ومشكلة العشوائيات، مثلها مثل أية مشكلة أخرى نواجهها، أي أننا غالبا نسمع بأنها مشكلة تواجهها دول عديدة أو أنها مشكلة عالمية، ولكن هناك دول اشتهرت بأنها تضم العدد الأكبر من العشوائيات، ومن بينها مصر والتي وضعت خطة متكاملة للقضاء عليها، وبدأت بوادر النجاح واضحة في تقليل عددها ومساحاتها وأشادت الامم المتحدة في تقريرها الخاص بالتنمية البشرية في 2021 إلى اعتبار الحكومة المصرية ملف العشوائيات أحد اهم أولوياته.
وهناك، فضلا عن المشاريع السكنية الحكومية، منظمات تبني هكذا مجمعات من خلال تبرعات المواطنين، وطبعا ليست لدينا منظمات لهذه المهمة، وإن كانت هناك تجارب قبل سنوات، ولم أعد أسمع بها لشباب كانوا يجمعون تبرعات ويسهمون بتصليح بيت لعائلة متعففة واحيانا كانت تبني بيتا هنا وآخر هناك.
وتابعت على اليوتيوب مبادرة رائعة في محافظة بابل لبناء مجمع سكني متكامل من خلال التبرعات، وفعلا بناء البيوت مستمر وانتهى العمل ببناء المستوصف وجاري العمل للانتهاء من بناء المدارس فيه، وأكد عمال البناء والمهندسون وغيرهم، بأنهم يعملون بنصف اجورهم كمساهمة منهم في التبرعات.
ولكن هذه المبادرة ليست حلا، فالمشكلة سنة بعد أخرى تفاقمت وتبدو عصية عن الحل، فمشكلة العشوائيات ليست مساكن فقط، انما حلها تحتاج أولا إلى خفض نسبة الفقر، خاصة الذين يقبعون تحت خط الفقر، ومن ثم تحتاج إلى مدارس ومستشفيات ومستوصفات وشوارع وكهرباء وإيصالات ماء الاسالة وشبكات مجاري وأسواق ومؤسسات امنية مع توفر وسائل النقل، وبهذا المعنى تمنى الكثيرون أن تكون مجمع بسماية نموذجا يحتذى به كخطوة للحل.
من جهة أخرى، فهذه العشوائيات تشكل بيئات فيها الكثير من الأخطار والتي اختصرها الباحث الدكتور عباس هاشم صحن من مركز التخطيط الحضري الاقليمي في جامعة بغداد في بحث منشور على موقع مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية في النقاط التالية «إن هذه البيئات غير مقبولة اجتماعياً وينقصها الكثير من القيم المعمارية والتخطيطية والخدمية السليمة، سرعة نمو وكبر حجم هذه الأحياء، تأثيراتها الاجتماعية والامنية (الانحراف - الجريمة) في المدينة وتشويه معالم المدينة الحضرية (تشويه بصري، تلوث ضجيجي وتلوث صحي وبيئي)».
وهناك نقطة مهمة اخرى وهي أن هذه العشوائيات بدأت تؤثر في مساحات الأراضي الزراعية، سواء داخل المدن أو في اطرافها مما قللت من المناطق الخضراء، التي تساعد في تنقية الجو وخفض درجات الحرارة.
هناك قانون ينتظر قراءة ثانية في مجلس النواب لحل هذه المشكلة، وفي الوقت نفسه كانت فيه فقرات بحاجة إلى تغيير أو تعديل، ولا تعرف أين أصبح! والمدن الخمس التي تم الإعلان عنها لتكون أولى الخطوات الحقيقية لحل المشكلة نأمل أن لا تكون وحداتها السكنية، مثل المجمعات الاستثمارية، التي لا يقدر على أثمانها إلا الطبقات فوق المتوسطة والذين يعملون في غسيل الاموال.. ولا بأس أن نذكر أنه من واجب الحكومة، أية حكومة، أن توفر المسكن اللائق للمواطن لحفظ كرامته.