- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
اكتشاف لقاح لفيروس كورونا لن يحل مشكلة أسواق النفط
بقلم: أنس بن فيصل الحجي
تشير التوقعات الحالية إلى أن متوسط انخفاض الطلب على النفط في العام الحالي، بلغ 8 إلى 9 ملايين برميل يومياً، عن متوسط عام 2019. وعلى الرغم من تحسن الطلب عما كان عليه في شهر أبريل (نيسان) الماضي، عندما انخفض انخفاضاً مريعاً وتاريخياً، إلا أن العودة إلى الحجر في بعض البلاد تخفض الطلب على النفط نوعاً ما حالياً، وتمنع، على الأقل، الأسعار من الارتفاع.
ولا شك أن تخفيض مجموعة "أوبك+" للإنتاج، أسهم في تضاعف أسعار النفط، ولكن من الخطأ مقارنة كمية انخفاض الطلب على النفط، بكمية خفض "أوبك" للإنتاج، وبناء استنتاجات على ذلك لأسباب كثيرة، أهمها أن بعض الإنتاج المخفض لن يجد سوقاً في كل الحالات. كما أن انخفاض الطلب موجود في سوق المنتجات النفطية، بينما الإنتاج هو نفط خام، والانخفاض في الطلب على المنتجات النفطية متفاوت بشكل كبير. فعلى الرغم من انتعاش الطلب على البنزين والديزل، إلا أن الطلب على وقود الطائرات ما زال منخفضاً بشكل كبير. ونتج من هذا التفاوت عوامل عدة أثرت سلباً في المصافي وفي المعروض أيضاً، فإن الوفرة في معروض وقود الطائرات وانخفاض أسعاره أدى إلى مزجه مع الديزل، وبيعه على أنه ديزل، فزاد معروض الديزل.
ونظراً إلى عدم تحقق نمو إضافي في الطلب على الديزل في الفترات الأخيرة، تم مزج الديزل مع زيت الوقود، فزاد معروض زيت الوقود من دون زيادة نسبة تشغيل المصافي، ومن دون تغيير نوعية مدخلات النفط إلى المصافي.
وما زاد الطين بلة أن إنتاج الديزل الحيوي في زيادة مستمرة من مناطق مختلفة في العالم، وتقوم حالياً بعض المصافي، بما في ذلك في الولايات المتحدة بالتحول إلى محطات للديزل الحيوي. وللتأكيد فقط، يأتي الديزل الحيوي من مصادر نباتية.
ومع انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، تزداد الرؤية في أسواق النفط ضبابية حتى تتبين خطته في مكافحة فيروس كورونا، وموقفه من "أوبك" والصين وإيران وفنزويلا، وما هي القرارات الرئاسية التي سيتخذها ليعكس القرارات الرئاسية، التي اتخذها دونالد ترمب في ما يخص البيئة والطاقة، بخاصة المحميات الفيدرالية. كان بايدن أعلن عن مواقفه وخططه من هذه الأمور أثناء حملته الانتخابية، ولكن كما يقول المثل، "حساب الحقل لا يطابق حساب البيدر"، بخاصة في ظل مجلس شيوخ قد يسيطر عليه الجمهوريون.
مصيدة الطلب على النفط
كنت ذكرت في مقالات سابقة أن إحدى المشاكل الأساسية، التي نشأت في أسواق النفط بسبب كورونا، هي "مصيدة الطلب على النفط". وتُعرف بأنها كمية الانخفاض في الطلب على المنتجات النفطية الناتجة من عزوف الناس عن ممارسة نشاطات معينة لخوفهم من العدوى، بغض النظر عن السعر أو الدخل. بعبارة أخرى، لو انخفضت أسعار تذاكر الطائرات بشكل كبير، فإن البعض لن يسافر في كل الحالات خوفاً من العدوى، ولو تضاعف دخل بعض الأشخاص فإنهم لن يسافروا للسبب ذاته، ولو قدمت الحكومات حزماً مالية تحفيزية لتشجيع الناس على السفر بالطائرات فإن البعض لن يسافر خوفاً من العدوى أيضاً. النتيجة هنا، هي أننا لن نعود إلى ما كنا عليه قبل فيروس كورونا، إلا إذا تخلصنا من هذا الفيروس تماماً. والأمر ذاته ينطبق على عودة الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم في بعض البلاد، واستخدام "سكايب" و"زووم".
هل ينقذ اللقاح أسواق النفط؟
تتنافس شركات في دول عدة في مجال إيجاد لقاح لفيروس كورونا. وكان ترمب أعلن مراراً، ومنذ أشهر أن الوصول إلى لقاح سيكون قريباً، وأخيرا أعلنت شركتا "فايزر" و"بيونتيك" أن اللقاح ضد فيروس كورونا، فعّال بنسبة 90 في المئة ووصفه ترمب الإعلان بـ "النبأ السار".
لكن مشاكل اللقاح متعددة، أهمها أنه إذا وجد، فإن الكميات تكون قليلة في البداية وتسيطر عليها الحكومات بالكامل. وبالتالي فإن الحكومات ستحدد من سينال اللقاح. ويبدو من تصريحات حكومية مختلفة أن الأولوية ستكون للفرق الطبية التي تتعامل مع مرضى كورونا، وأن الناس لن تحصل عليه إلا في نهاية عام 2021 وفي 2022، وذلك على افتراض أنه متوفر الآن. وبناءً على ما سبق، فإن اللقاح لن ينقذ أسواق النفط في 2021.
إلا أن المشكلة أكبر من ذلك، وهي سبب كتابة المقال، إذ هناك معارضة شديدة حول العالم لأخذ اللقاح، وإن كانت بعض الحكومات ستجعله إجبارياً، مثل الصين. ولكن لا يمكن جعله إجبارياً في أغلب الدول الديمقراطية. وإذا حاولت الحكومات جعله كذلك، فإن الأمر ستبت به المحاكم في النهاية، وهذا المسار قد يأخذ سنوات.
ولكن لماذا يعارض الناس اللقاح؟
هناك انقسام حاد بين الناس حول اللقاح. ففي الوقت الذي أعلن فيه البعض أنهم مستعدون لأخذه إذا ثبت نجاحه، أعلن آخرون أنهم لن يأخذوه إطلاقاً، وبين الفريقين آراء عدة، تتمحور حول فكرة الانتظار لمعرفة نتائجه أولاً. ووفقاً لمجلة "سينس"، فإن 50 في المئة من الأميركيين فقط، وافقوا على أخذه إذا أُتيح لهم، بينما كان نحو 25 في المئة مترددين، ورفضه الربع الآخر. وهذا على افتراض أن اللقاح يُقدم مجاناً. وأشارت استبيانات بريطانية إلى أن واحداً من كل ستة أشخاص يعارض أخذ اللقاح (17 في المئة).
وأشارت مجلة "لانسينت" الطبية المشهورة في تقرير لها إلى نمو متابعي المواقع المعادية للقاح على برامج التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية. وأشار التقرير إلى أن نحو 31 مليون شخص، يتابعون حسابات معادية للقاح على "فيسبوك"، وهناك 17 مليون مشترك في حسابات معادية للقاح على "يوتيوب".
وينقسم المعارضون أنفسهم إلى عدة فئات. منهم المؤمنون بـ"نظرية المؤامرة"، بأن الفيروس نفسه نُشر بشكل مقصود من قبل بعض حكومات أو أثرياء العالم بهدف جني المليارات من اللقاح، وذهب البعض إلى الاعتقاد بأن اللقاح نفسه مبرمج بحيث يسيطر على العقل البشري، أو مبرمج بحيث يعطي معلومات كاملة عن حالة الشخص الصحية والعصبية والذهنية. قد يظن القارئ أن المؤمنين بهذه النظريات هم من الجهلة أو قليلي التعليم، ولكن الواقع غير ذلك، حيث يشمل أطباء وخبراء وأساتذة جامعات. في المقابل، يخاف رافضو عملية "التطعيم"، من الذين لايؤمنون بنظرية المؤامرة، من الآثار الجانبية للقاح على المدى الطويل.
خلاصة القول إن جزءاً من الطلب على النفط لن يتعافى، إلا إذا تلاشى فيروس كورونا بطريقة من الطرق، إلا أن إيجاد لقاح ليس واحداً منها لسببين رئيسين، الأول هو أن عملية تطعيم أغلبية الناس تأخذ فترة طويلة قد تستغرق سنةً على الأقل. أما الثاني فهو رفض جزء من الناس التطعيم رفضاً كلياً. أمل البعض هنا هو أن ينتشر الفيروس بحيث تتوفر مناعة جماعية، وإذا صح ذلك، فإن هذا الأمر سيساعد على عودة الحياة إلى طبيعتها، أكثر من حالة التطعيم بلقاح جديد.
أقرأ ايضاً
- الحرب النوعية
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي
- النشر الصحفي لقضايا الرأي العام