عباس الصباغ
بالرغم من ان المادة (30 اولا) من الدستور تؤكد على احقية كل مواطن عراقي بسكن يليق به الا ان العشوائيات السكانية التي بلغت اكثر من 522 الف وحدة سكنية ويسكن فيها اكثر من 3 ملايين مواطن ، يمثلون نسبة 13 بالمائة من السكان تشكّل خطراً كبيرا على المخططات الاساسية للمدن، وهذا ما يؤدي الى الاخلال بحق الساكنين في تحقيق حاجاتهم الصحية والاجتماعية والبيئية وخاصة في بغداد التي استحالت الى اكبر مدينة عشوائية في العالم ( توجد فيها 1200 عشوائية) ، قد استفحلت وطغت ابان الفوضى الخلاّقة التي ضربت المشهد العراقي بعد التغيير النيساني المزلزل وخاصة قطاع السكن، وهي مشكلة مركّبة ومعقدة وذات راسين متشابكين الاول يتعلق بالحكومات المتعاقبة والثاني بالمواطن والمتضرر الاكبر في هذه المعادلة وتُقدر حاجة العراق الى الوحدات السكنية من مليونين الى مليونين ونصف مليون وحدة سكنية.
وكان يجب على الحكومات المتعاقبة ان لاتغضَّ النظر عن تجاوز بعض المواطنين على اراضي واملاك الدولة التي هي حق عام ولايجوز وضع اليد عليها لاقانونا ولا شرعا تزامنت معها ظاهرة تجريف الاراضي الزراعية ، وقبل ان لا تستفحل بان لاتترك الامر عائما دون معالجة حقيقية وقد كان هنالك ومنذ التغيير النيساني متسع من الوقت لمعالجة هذه المشكلة ولكنها لم تدرج مشكلة العشوائيات في اي مشروع مناقشة قرار داخل اروقة البرلمان لمعالجتها ويلزم المواطنين بعدم التجاوز والذين اغلبهم يعيشون تحت هامش الفقر ولايستطيعون بناء وحدات سكنية لائقة لهم فاضطروا الى العيش في العشوائيات كونها ارخص ثمنا من الوحدات السكنية الاصولية، ورغم انها غير قانونية وان اغلب تلك العشوائيات لاتمتلك بنى تحتية حضرية لائقة بالعيش البشري .
كما لم تُخصص اية فقرة في البرامج الحكومية تكون خارطة طريق لمعالجتها، ولم تكن طيلة السنين السابقة محورا اقتصاديا يضعه مهندسو الموازنات المالية العامة نصب اعينهم ليأخذ حصته من الاموال مثل باقي القطاعات الاقتصادية فبقي الامر طي الكتمان، وهو ما فتح الباب مشرعا على مصراعيه امام الجميع فحدث تجاوز غير مسبوق على اراضي الدولة التي يكون البعض منها مخصصا للمشاريع التي تخدم الصالح العام صاحبه تفتيت غير شرعي للأراضي الزراعية كان احد اسباب ظاهرة التصحر والاحتباس الحراري وسوء الاحوال الجوية،، فالعشوائيات ليست خللا حضريا فقط وانما هي ثغرة كبيرة وفوضى في توزيع الخدمات على المواطنين وتجاوزا على شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي وفي خضم تلك الفوضى تجاوز بعض المواطنين على املاك واراضي الدولة في ظل عدم وجود تشريعات ملزمة او كوابح قانونية رادعة وفي ظل حاجتهم الملحة الى وحدات سكنية مع تزايد الانفجار السكاني غير المسبوق ايضا في العراق وعدم تقبّل المواطن العراقي لمسالة السكن العمودي (العمارات السكنية) فبقي الامتداد السكاني في عموم العراق امتدادا افقيا، وبهذا يتحمل المواطن المسؤولة مناصفةً مع الحكومات المتعاقبة فلا الحكومات كانت جادة في معالجتها ولا المواطنون ارتدعوا عن الاستمرار فيها.
واصبحت العشوائيات قضية راي عام بعد تهديم الكثير منها من قبل الاجهزة التنفيذية وهو ما اثار غضب الشارع لان هذا الاجراء جاء على حين غفلة وبدون ان تضع الحكومة بديلا معقولا لساكنيها فقد وجد هؤلاء المتجاوزون انفسهم مع عوائلهم في العراء فلا هم حظوا ببديل لسكنهم المهدم ولا هم استطاعوا تعويض ماتهدم لفقرهم المدقع، وعليه يجب تشريع قانون يعمل على توفير غطاء مالي لحل المشكلة من خلال إعداد وتهيئة قاعدة بيانات ومسح حقيقي عن تلك العشوائيات وحجمها وأماكنها، وتصنيفها جغرافيا، وبعدها يأتي دور العمل داخل البرلمان لتوفير غطاء قانوني للحكومة من خلال تشريع قانون لحل أزمة السكن ومشكلة العشوائيات وإعادة فرز الأراضي الزراعية والبساتين في عموم العراق، وتبقى الحاجة ماسة ايضا الى جهد استثنائي ووطني تشترك به جميع الجهات المعنية كوزارة الاعمار والاسكان والبلديات ومجالس المحافظات لحل هذه الازمة وفق استراتيجية واضحة، بالإضافة الى ادخال قروض البنك الدولي التي ستسهم وبشكل كبير في التخلص من هذه الازمة وبشكل تدريجي ببناء مجمعات سكنية اشبه ببناء دور واطئة الكلفة التي تمنح للفقراء وذوي الدخل المحدود.