تصاعدت وتيرة الطلب على الطاقة النظيفة والبحث عن بدائل لإنتاج الكهرباء من محطات توليدية تستخدم الغاز والوقود الثقيل بعدما طالت تهديدات التغير المناخي جميع البلدان تقريباً، وتتصدر تلك البدائل "الطاقة الشمسية" التي يرى مختصون أنها البديل الأمثل في البلاد، فيما قلل آخرون، من نجاعتها كونها "بضاعة كاسدة" لم تنتج سوى 5 بالمئة من مجموع الطاقة العالمي خلال ما يزيد على قرن من الزمن.
ويقول الخبير البيئي حيدر معتز، إن "التحول إلى الطاقة الشمسية يزداد الطلب عليها في العالم، كونها متعلقة بالرفاهية والاقتصاد والصحة، فيجب الاستغناء عن الوقود الأحفوري الذي ينتج غازات دفيئة تسهم بالاحتباس الحراري، وبالتالي التأثير على الأنشطة البشرية".
ويضيف معتز، "في العراق يجب التحول نحو الطاقة النظيفة بشكل عام تدريجي، فلا يمكن الاستغناء عن إنتاج خمسة ملايين برميل من النفط يومياً إلى الصفر، فالتحول يكون ضمن إستيراتيجية وبرامج تربط جميع الوزارات العاملة والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص ببعضها، وكل المستفيدين من الكهرباء، وأن تكون متجانسة مع تكنولوجيات أخرى تتناسب مع عمل الوزارات، وبالتالي سيتم تقليل آثار التغير المناخي بالعراق".
ويؤكد أن "على الحكومة أن تبني مصانع وطنية وليست استثمارية لإنتاج الخلايا الشمسية، مدعومة من قبل الدولة لكي يستطيع المواطن تحمل تكلفتها، كما يمكن أن تساهم في زيادة دخل المواطن نفسه من خلال بيع طاقته المخزنة إلى الدولة كما هو الحال في المانيا، وفق معايير محددة".
وكان مدير عام شركة الزوراء العامة التابعة لوزارة الصناعة والمعادن مهند جبار، كشف في 12 كانون الثاني الجاري، عن توجه لتوطين صناعة ألواح الطاقة الشمسية في العراق لتلبية الحاجة المحلية التي تعتمد بشكل أساسي على الاستيراد، وأكد أن شركة الزوراء متخصصة في مجال توزيع الطاقة الكهربائية وتم دمجها مع شركة المنصور التي كانت من أوائل الشركات التي تنتج ألواح الطاقة الشمسية في الشرق الأوسط.
وفي السياق، يلفت المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى، إلى أن "هناك توجه لتطبيق تجربة شركة الزوراء التابعة لوزارة الصناعة والمعادن في وزارة الكهرباء التي زودتها الشركة بمنظومات للطاقة الشمسية، وتريد الشركة أن تعمم التجربة لتحول المباني الحكومية إلى الطاقة الشمسية لدعم المنظومة الوطنية لشبكة الكهرباء بالتنسيق مع وزارتنا".
ويردف: "الوزارة تعمل مع المبادرة الوطنية لدعم الطاقة لتحويل 560 بناية حكومية إلى الطاقة الشمسية وفق محددات، وسيعلن عن المرحلة الأولى قريباً، أما باقي التعاقدات فهي استثمارية مثل التعاقدات مع شركات توتال، وباورجاينا، بواقع ألف ميغاواط في محافظة البصرة، إضافة إلى محطتين في كربلاء وبابل، وهناك مباشرة بالعمل على هذه المحطات وهي ضمن خطة الوزارة متوسطة المدى للتحول إلى الطاقة النظيفة".
ويعاني قطاع الكهرباء في العراق صداعا مزمنا بدأ بشكل واضح منذ تسعينيات القرن الماضي، ولم ينته حتى اليوم، إذ تتشابك المشكلات بين الإنتاج والتوزيع والشبكات والمحولات، إضافة إلى الأزمات المرتبطة بمصادر الغاز المستورد، كل هذا أدخل المواطن في أزمة امتدت لأجيال.
يذكر أن مرصد العراق الأخضر البيئي، كشف في بيان سابق، أن أشعة الشمس الواصلة للعراق، يمكن أن توفر طاقة كهربائية بواقع 1000 واط لكل متر مربع، وأن البلاد تحتاج إلى 27 ألف ميغاواط لتكون الكهرباء مستمرة خلال يوم كامل، وهذا يمكن توفيره عبر الطاقة الشمسية، خاصة وأن هناك 300 يوم مشمس خلال العام في البلاد.
بدوره يتفق خبير الطاقة كوفند شيرواني، مع ما ذهب إليه الخبير حيدر معتز، ويؤكد، أن "العراق غني بالطاقة الشمسية خلال 300 يوم من أصل 365 يوماً بالسنة، ويمكن استثمارها بشكل جيد لسهولة تمويلها فهي لا تحتاج إلى تكلفة عالية في الإنتاج، والمهم في موضوع الطاقة الشمسية في العراق، أن حاجته الفعلية لتوفير الطاقة 35 ألف ميغاواط لكن الإنتاج الحالي وفق تصريحات وزارة الكهرباء هو 24 ألف ميغاواط فقط، مما يشكل عجزاً بـ11 ألف ميغاواط".
ويشير شيرواني، إلى أن "مولدات الكهرباء الحالية لا تعمل بالكفاءة المطلوبة ويصعب تزويدها بالغاز مما جعل وزارة الكهرباء تتعاقد مع شركات إماراتية لتغطية 10 بالمئة من العجز لديها بمجموع خمس محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، إضافة إلى عقد شركة توتال الفرنسية، وهي مشاريع جيدة وتعالج مشكلة نقص الكهرباء رغم تأخرها".
ويقترح أن "يكون التحول إلى الطاقة الشمسية عبر دمجها مع الطاقة المزودة من قبل وزارة الكهرباء، عن طريق تزويد المنازل بالألواح الشمسية والبطاريات التي تخزن أشعة الشمس في النهار وتولد كهرباء في الليل، وفعلاً هناك مبادرة من قبل مصرفيّ الرافدين والرشيد لتمويل هذه المشاريع المنزلية بأسعار جيدة وليس بالسعر التجاري، وهو ما يجب أن تعمل عليه الحكومة من توفير المكونات للمواطنين لتقليل التكلفة".
وينبه شيرواني، إلى أن "هذه المشاريع ليست حديثة في العراق بل كانت في زمن النظام السابق تنتج عن طريق هيئة التصنيع العسكري، فليست هناك صعوبة في إنتاجها، فموادها يتم استيرادها من دول شرق آسيا إضافة إلى الليثيوم للبطاريات، بعدها يتم تجميعها في المصانع، والطموح أن تعمل حقول كبيرة للطاقة الشمسية عن طريق التنسيق بين وزارتيّ النفط والكهرباء".
يشار إلى أن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بحث الاسبوع الماضي، الفرص الاستثمارية في قطاعات الطاقة والنفط والاقتصاد الأخرى في العراق، مع 57 شركة عالمية، على هامش مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا.
من جانب آخر، ينتقد الخبير النفطي حمزة الجواهري، مشاريع الطاقة النظيفة في العراق "باعتبارها بضاعة كاسدة للغرب ولم تنتج سوى 5 بالمئة من مجموع الطاقة العالمي على مدار 120 عاماً، إضافة إلى أن العراق يعتمد اعتماداً كلياً على إيرادات النفط، وبالتالي التوجه نحو الطاقة الشمسية أشبه بوسيلة لإفقار الشعب العراقي، كما أن التحول من النفط إلى الطاقة الشمسية يعد ترفاً".
ويشدد الجواهري، على أن "الرأي العام الدولي الذي يريد ضبط المناخ، مدفوع من قبل دول تساهم بالتغيرات المناخية عبر صناعة الفحم الحجري والذي تنتج الولايات المتحدة وحدها 40 بالمئة منه إضافة باقي الدول المنتجة، ولا دخل للنفط والوقود الأحفوري بهذا التغيير، وهم يستخدمون كل أنواع الطاقة ويعتمدون بطاقات عليا على إنتاج الكهرباء من هذه الطاقات".
ويبين أن "تعاقدات وزارة الكهرباء مع شركة توتال الفرنسية وباقي الشركات هو ابتزاز سياسي من قبل الولايات المتحدة لشركائها، أي بمعنى آخر لعبة سياسية لا أكثر، لا تعدو كونها مشاريع وهمية".
جدير بالذكر أن نفقات وزارة الكهرباء منذ العام 2003 ولغاية العام 2021 تجاوزت 80 مليار دولار بحسب ما صرّح بذلك خبراء في حينها، بالإضافة إلى تخصيصات الوزارة في موازنتيّ عاميّ 2022 و2023، ما يرفع الرقم إلى نحو 100 مليار دولار خلال 20 عاماً، من دون أن يشهد واقع تجهيز الطاقة تحسناً كبيراً، حيث ما زال المواطن يعتمد على المولدات الأهلية لتأمين التيار الكهربائي خصوصاً خلال فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- العتبة الحسينية اقامت له مجلس عزاء :ام لبنانية تلقت نبأ استشهاد ولدها بعد وصولها الى كربلاء المقدسة
- في حي البلديات ببغداد: تجاوزات ومعاناة من الكهرباء والمجاري ومعامل تلحق الضرر بصحة الناس (صور)