هي واحدة من الامهات اللبنانيات اللواتي قدمن كل شيء في سبيل بلدهن ودينهن، ورغم احزانهن الا ان الارض والعرض والدين اغلى من الابناء، والسيدة "ام حسين" جلست امامنا شامخة وصابرة وصلبة ومتأسية بالزهراء وزينب (عليهن السلام) في تحمل فقد الاحبة، وبالاخص الابن العزيز، لانهم عائلة حسينية جبلت على تحمل المصاعب، سجدت شاكرة الباري عز وجل عندما ابلغها زوجها بخبر استشهاد ولدها بقصف في لبنان بعد وصولها الى كربلاء المقدسة.
شاب مثالي
تسرد ام الشهيد "محمـد" قصتها لوكالة نون الخبرية ووجهها قطعة من الهم والصبر والشموخ وتقول " نحن ربينا ولدي الشهيد "محمـد" كما ربت باقي العائلات اللبنانية ابنائها، ان عدوا يتربص بنا ليقضي علينا، وعرفنا ان منهج اهل البيت (عليهم السلام) واتباعه محاربون منذ ان كبرنا وليس شيئا جديدا، وبلغت الآن من العمر (56) عاما و "محمـد" ولدي الاكبر المولود في العام (1989) شاب مثالي مطيع لوالديه، وكنت شاهدة على القصف والدمار والحروب السابقة، وعرفت ان مقاومة العدو الاسرائيلي تستهدف ويقصف معها المدنيون، وادخلته في دورات الكشافة وتعليم القرآن وعند بلوغه (14) عاما ادخلته في دورات تدريبية لكي اصقل رجولته ويستطيع الدفاع عن نفسه واهله، وعائلتنا جوها ودمائها وتوجهها حسينية، فأنا قارئة عزاء حسيني في بلدي لبنان ووالده يعمل في مؤسسة الشهيد، وفي تلك المعارك الدائرة الآن خرجت انا قبل شهر وكنت لا ارغب بترك بيتي وبلدتي في منطقة "محرونة" بقطاع صور، وبعد تعرض القطاع الى قصف وحشي وعنيف وتدمير العمارات اضطررت للخروج بدون جلب اي شيء، بالرغم من ان مناطق سكننا مدنية ولا يوجد فيها تواجد عسكري او اسلحة ومقاتلين".
اسلحة فتاكة
لم يسلم المدنيين من قصف طائرات وصواريخ الكيان الغاصب تصف هذا الامر السيدة "ام محـمد" بقولها ان" القصف الوحشي طال عمارات باكمالها وسويت بالأرض بعدد طبقاتها، ومنها بناية امام بيتي مكونة من تسعة طبقات استشهد فيها حوالي (25) لبنانيا مع كثير من الجرحى، واستخدمت صواريخ فتاكة واكيد انها محرمة دوليا لان البنايات تحولت الى "تراب" وليس قطعا كونكريتية"، بينما "العمارة التي قربنا قصفت وفيها اربع اشخاص ذهبوا لجلب طعام موجود في احدى الشقق فاستشهدوا جميعا، وفي احد غارات القصف في الوادي ورغم بعد المسافة عنا تحطم زجاج بيوتنا وقلعت الواح الطاقة الشمسية وسقط تغليف السطوح بمادة القرميد، ووصلت الينا غازات سوداء وانا اشكو من مرض بالقلب وبمجرد ان استنشقت الغازات المنبعثة من القصف تدهورت حالتي الصحية وكدت اموت، ما يعني ان الصاروخ القاصف يقتل المدنيين والغازات المنبعثة منه التي تنتشر على مساحة حي سكني كامل تقتل المدنيين ايضا، كما استخدموا اسلحة فسفورية محرمة دوليا، واردفوها بقصف ثاني وكدت اموت ايضا من الغازات المنبعثة، ومنها قررت العائلات الخروج من المدينة فتوجهنا الى الجبل والقماطية وزغرتا وطرابلس".
استهداف مسجد وكنسية
العدو لا خطوط حمراء عنده ولم يترك شيئا او مرفقا الا واستهدفه هكذا تصف السيد "ام محمـد" الحال وتضيف ان" القصف طال في منطقة "دير دغيا" مسجد وبجانبه كنسية كان اللبنانيين يتعايشون فيها بسلام ودمرهما بالكامل واستشهد من كان بداخلهما من المسلمين والمسيحيين، كما استهدفت مقامات دينية في النبي يوسف والخضر، بل وصل الامر الى استهداف مدن بكاملها في البقاع الغربي، وجنوب لبنان، وبعلبك، وجبل مارون، واعتقد ان غايتهم من استخدام طريقة "الارض المحروقة" هي احتلال المدن اللبنانية ومنع العيش فيها، وذهبنا الى مدينة "القماطية" التي تبعد عنا مسافة (80) كيلومتر لنسكن عند اقرباءنا، ولكوني مصابة بمرض السرطان باشرت بالبحث عن علاج كيمياوي بعد قصف محيط المستشفى في بيروت وتعذر علاجي في مدينة "بشيمون" كوني احتاج الى (12) جلسة فيها، وطلبوا مني مبلغ (1000) دولار اميركي للجلسة الواحدة، وقررت المجيء الى ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وسافرنا الى سوريا ومنها وعبر فريق الاغاثة للعتبة الحسينية وصلنا قبل شهر الى كربلاء المقدسة باحترام وتقدير ".
علاج مجاني
لم تكتفي العتبة الحسينية بتقديم السكن والاطعام لام الشهيد "محمـد" وعائلتها بل تعداه الامر الى العلاج وتصف ذلك بقولها " سكنا في حسينية وفرحت كثيرا لانها مكان طاهر ومخصص للعبادة واحياء الشعائر الحسينية، وبكيت صدقا من اعادة عزة النفس لنا بكرمهم، وبمجرد ان ذهب ابن اختي الى موقع الصلاة في مرقد الامام الحسين (عليه السلام) وعرض حالتي الصحية على المتولي الشرعي الشيخ عبد المهدي الكربلائي، وافق على الفور بالتكفل بعلاجي بالكامل مجانا، وكان الاستقبال والعناية الطبية الفائقة بفحوصات شاملة وصور اشعاعية للقلب، والرئة، والكبد، والكلى، واستعدت عافيتي من جرائها، وابني الشهيد "محمـد" خدوم ومحبوب من قبل الناس ولديه هيئة حسينية اسمها "ثأر الله" تقيم الشعائر والعزاء الحسيني لجميع الائمة الاطهار، ويحرص سنويا على زيارة الامام الرضا وائمة اهل البيت في العراق وخاصة في الزيارة الاربعينية، ولم يترك المدينة هو ووالده رغم القصف الشديد، وقبل مدة في لبنان جاءتني احد الامهات التي فقدت ثلاثة من اولادها شهداء، لتخبرني انها رأت منام بالسيدة الزهراء (عليها السلام) واخبرتها انها تأتي الى عائلات الشهداء وتجلس عندهم قبل الناعي وشعرت انها ربطت على قلبها وكنت اذكرها في المجالس الحسينية التي اقيمها، ووردني اتصال من زوجي لكني كنت في الصلاة ولم انتبه له، ثم وردني اتصال من احد اصدقائه وبين الاتصالين شعرت بيد تمسح على قلبي، فجاوبت على الاتصال وظهر انه زوجي يتصل من هاتف صديق ابني ليقول لي (الله اعطى ..والله اخذ.. ابنك محمـد استشهد)، فسجدت شكرا وطاعة لله وطلبت منه المدد والصبر، واقامت العتبة الحسينية المقدسة مجلس عزاء نسوي على روح ولدي، وسخروا لي اجهزة الصوتيات المتطورة، ووجدت العاملات في العتبة الحسينية كلهن واقفات في العزاء يخدمن المعزيات في وقفة مشرفة، وقرأت له المجلس وكانت اجمل هدية لي ان احيي مجلس عزاء ولدي في ضريح ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- الكربلائي اول متبرع لمرضى السرطان.. خطط العتبة الحسينية الاستراتيجية انشاء (25) مستشفى في عموم العراق
- هدية من كربلاء :محطة تحلية مياه بطاقة تبلغ اكثر من (5000) لتر من الماء ثوابا لابي عبد الله الحسين في النبطية (فيديو)
- العتبة الحسينية تطلق مشروعا وطنيا عابرا للطوائف والحدود لعلاج مرضى السرطان والكشف عنه