- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
السير حافيا لزيارة الامام الحسين اظهار للتفجع في مصيبته الراتبة
حجم النص
بقلم:حسن الهاشمي
المشي حافياً في يوم عاشوراء أو الأربعين أو غيرها من الأيام في عزاء الإمام الحسين (عليه السَّلام) وسيلة معبّرة عن الحزن العميق على سيد الشهداء وأبي الأحرار (عليه السَّلام)، ومن المؤكد أن الإنسان يُثاب على إظهاره الحزن في مثل يوم عاشوراء مواساة لأهل البيت (عليهم السلام)، والصحابي الجليل جابر ابن عبد الله الانصاري أول من مشى حافيا كاشف الرأس لزيارة قبر المولى ابي عبد الله الحسين عليه السلام، لم يستطع جابر أن يقاتل مع الإمام الحسين (ع) في كربلاء في يوم عاشوراء بسبب كبر سنه، ولكنه كان حسب الروايات أول من زار الإمام الحسين (ع) في يوم أربعينه في أرض المعركة، وعنه تروى أول زيارة أربعين للإمام الحسين (ع) فقد ورد في كتاب مفاتيح الجنان للشيخ القمي أن عطية العوفي أحد تلاميذ جابر روى: كنت مع جابر بن عبد الله الأنصاري يوم العشرين من صفر فلما وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها ولبس قميصاً كان معه طاهراً ثم قال لي: أمعك شيء من الطيب يا عطية؟ قلت: سعد فجعل منه على رأسه وسائر جسده ثم مشى حافياً حتى وقف عند رأس الحُسَين (عليه السلام) وكبّر "ثلاثاً " ثم خر مغشياً عليه فلمّا أفاق سمعته يقول: (السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا آل اللهِ…).
أثناء ذلك أقبل أيضاً الإمام علي ابن الحسين (ع) مع عمته زينب ومن رجع معه من الشام من سبايا كربلاء فقام جابر إليه حافي الأقدام مكشوف الرأس إلى أن دنا من الإمام زين العابدين (ع) الذي حدّثه بما جرى لهم من قتل وسبي وتشريد وكان مما قاله (ع): يا جابر هاهنا والله قُتلت رجالنا وذُبحت اطفالنا وسُبيت نساؤنا وحُرقت خيامنا، فشاركهم جابر العزاء في مصابهم ليقيم معهم ومع ثلة من المؤمنين الذين أقبلوا إلى أرض المعركة أول عزاء لأربعين الإمام الحسين (ع).
وحسب حديث عن النبي محمد (ص) فقد تنبأ لجابر بطول العمر حتى يبلغ خامس الأئمة الاثني عشر حيث طلب منه أن يبلغ الإمام الباقر (ع) عنه السلام، ولما تقدم به العمر وأصابه العمى كان يتلهف لوعد النبي محمد (ص) حيث ورد في الكافي أنه كان يجلس في مسجد النبيّ (ص) وينادي: يا باقر العلم، يا باقر العلم، فكان أهل المدينة يقولون: جابر يهجر، فكان يقول: لا والله ما أهجر، ولكنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: إنّك ستدرك رجلاً منّي، اسمه اسمي، وشمائله شمائلي، يبقر العلم بقراً، فذاك الذي دعاني إلى ما أقول.
قال: فبينما جابر يتردّد يوماً في بعض طرق المدينة، إذ مرّ بطريق في ذاك الطريق كتّاب فيه: محمّد بن علي، فلمّا نظر إليه قال: يا غلام: أقبل، فأقبل، ثمّ قال له: أدبر، فأدبر، ثمّ قال: شمائل رسول الله (ص)، والذي نفسي بيده؛ يا غلام ما اسمك؟ قال: اسمي محمّد بن عليّ بن الحسين، فأقبل عليه يقبّل رأسه ويقول: بأبي أنت وأُمّي، أبوك رسول الله يقرئك السلام...
أما من حيث رجحان هذا الأمر فلقد ورد الحَثِّ عليه في الأحاديث التي رُويت عن الأئمة (عليهم السَّلام) بخصوص زيارة الامام الحسين (عليه السَّلام) ماشياً وحافياً مما يدل على رجحان المشي حافياً لدى الذهاب إلى حرم الامام الحسين (عليه السَّلام) سواء في حالة الزيارة أو العزاء ويدل عليه ما رُوِيَ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنَّهُ قَالَ: (مَنْ زَارَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السَّلام) (مُحْتَسِباً) لَا أَشِراً وَلَا بَطِراً وَلَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً مُحِّصَتْ ذُنُوبُهُ كَمَا يُمَحَّصُ الثَّوْبُ فِي الْمَاءِ فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ دَنَسٌ، وَيُكْتَبُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حِجَّةٌ، وَكُلَّمَا رَفَعَ قَدَمَهُ عُمْرَةٌ). (المزار للمفيد: 36).
وَعَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أيضاً أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الزَّائِرِ لِقَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السَّلام) فَقَالَ: (مَنِ اغْتَسَلَ فِي الْفُرَاتِ ثُمَّ مَشَى إِلَى قَبْرِ الْحُسَيْنِ (عليه السَّلام) كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ يَرْفَعُهَا وَيَضَعُهَا حَجَّةٌ مُتَقَبَّلَةٌ بِمَنَاسِكِهَا). (وسائل الشيعة: 14/ 485).
ومنها: عن الحسين بن ثويبر بن أبي فاختة عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال في حديث: إذا أتيت أبا عبد الله الحسين عليه السلام فاغتسل على شاطئ الفرات، ثمّ ألبس ثيابك الطاهرة، ثمّ امشي حافياً، فانّك في حرم من حرم الله وحرم رسوله، وعليك بالتكبير والتهليل والتمجيد والتعظيم لله كثيراً، والصلاة على محمّد وأهل بيته حتّى تصير إلى باب الحائر. (الكافي: 4/ 575).
فالسير حافيا لزيارة الحسين عليه السلام بالإضافة إلى اظهار التفجع والتألم والتواضع لمصيبة المولى فإنها قد اخذت شرعيتها من النصوص الآنفة الذكر عن المعصوم، وكذلك فإن زيارة الصحابي الجليل جابر الانصاري حافيا واقرار الإمام السجاد عليه السلام لحالته تلك هي خير دليل على صحتها، بل استحبابها المؤكد، وعلى هذا نجد أن بعض المراجع العظام والمؤمنين الكرام قد تأسوا بهذه السنة الحسنة، وانهم حينما يزورون الإمام الحسين في عاشوراء والأربعين وغيرها من المناسبات المنصوصة نراهم يخرجون بكل سكينة ووقار مهللين مكبرين حفاة حاسري الرؤوس، تماشيا مع تلك السنة الطيبة، واظهارا لحالة الخشوع والهيبة والحزن على مصاب المولى ابي عبد الله الحسين في مصيبته الفاجعة.
نعم ان السير حافيا لزيارة الحسين عليه السلام اظهارا للتفجع في مصيبته الراتبة، تلك المصيبة التي لا يخبو أبدَ الدهرِ وهجُها بل تظلُّ - رغم تعاقُب العصور - تُلهِبُ المشاعر، وتبعثُ على الأسى والحزن، وتستنهضُ الهِمَم، وتُرشِدُ إلى طريق الكرامة والعزَّة، وتُضيء للباحثين عن الخَلاص سبيلَ الخَلاص، وللباحثين عن الهدى سبيلَ الهدى، وتُخاطبُ الخانعين أنَّه لا يليقُ بكمُ الخنوع والذل والانكسار، لمقولة سيد الشهداء الخالدة: كفى بك ذلا ان تعيش وترغما...